انتقل الصراع المرير على السلطة في إيران إلى قطاع الأعمال، إذ يحاول المتشددون في الجمهورية الإسلامية التقليلَ من شأن الصفقات الضخمة التي توصلت إليها الحكومة بعد بدء تنفيذ الاتفاق النووي مع إيران يناير/كانون الثاني، 2016، قبل أيام من الانتخابات التشريعية في 26 فبراير/شباط 2016.
المحافظون، الذين يتركزون في البرلمان ووسائل الإعلام المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، انتقدوا عدداً من العقود التي وقعتها حكومة الرئيس حسن روحاني خلال الأسبوعين الماضيين، محذرينَ من أن المصادر الطبيعية والمالية الإيرانية أصبحت عُرضةً لنهب الشركات الغربية، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، الخميس 4 فبراير/شباط 2016.
الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه الصيف الماضي يعد انتصاراً للإصلاحيين، فيما يحاول المتشددون منع تحول نجاح الإصلاحيين إلى مكاسب سياسية قبل الانتخابات التي ستجري لاحقاً نهاية فبراير/شباط الجاري.
كما أن العديد من المحافظين الذين ينتمون للتيار المتشدد كانوا قد استفادوا اقتصادياً من العقوبات التي كانت مفروضة على النظام، وهؤلاء قد يتعرضون للخسارة حين تدخل الشركات الأجنبية إلى البلاد.
فقد المكاسب
ونقلت الصحيفة البريطانية عن محلل إصلاحي – طلب عدم الكشف عن اسمه – قوله: "لقد فقد المتشددون مكاسبهم التي تحققت نتيجةً للعقوبات من بيع النفط الخام وشراء الطائرات المستعملة بأسعار مضاعفة، بالإضافة إلى السمسرة التي كانوا يجنون منها أرباحاً هائلة. إنهم الآن في حالة صدمة ولا يستطيعون أن يصدقوا أن حكومة روحاني حققت كل هذه الصفقات خلال الفترة القصيرة التي تلت رفع العقوبات".
معركة النفط
قطاع النفط هو محورُ الانتقادات الموجهة للحكومة التي تعتزم فتح البلاد أمام الاستثمارات الأجنبية وتخطط لاجتذاب 50 مليار دولار سنوياً.
وينظر العديد من المحللين السياسيين الإيرانيين إلى إلغاء مؤتمر النفط الذي كان مقرراً عقده في لندن هذا الشهر على أنه أتى استجابةً لضغط المتشددين، فقد كان المؤتمر يهدف إلى تسويق عقد النفط والغاز الجديد الذي تعتزم إيران تقديمه لشركات النفط العالمية.
يقدم هذا العقد الجديد شروطاً أكثر مرونةً في ما يتعلق بتقلبات الأسعار ومخاطر الاستثمار لشركات النفط العالمية التي تنوي الاستثمار في إيران، لكن المتشددين انتقدوا العقد لأنهم اعتبروه مفرط السخاء.
وحذر أحمد توكلي، النائب المتشدد في البرلمان الإيراني، قائلاً: "عقد النفط الجديد يضر إيران اقتصادياً مثلما كان الاتفاق النووي يضر بإيران سياسياً".
ورغم أن وزارة النفط الإيرانية قالت إن صعوبة الحصول على الفيزا البريطانية كانت السبب وراء إلغاء المؤتمر، إلا أن المحللين الإيرانيين يعتقدون أن الحكومة أرادت تخفيف ضغط المتشددين.
لكن مسؤولاً في قطاع النفط قال: "لا نعتقد أنه سيتم تبني أي تغييرات كبرى في العقد، وسنوقعه خلال الأشهر القليلة القادمة. العقد ليس كتاباً مقدساً، ونستطيع إجراء تعديلات عليه إذا وجدنا أي شيء يعارض القانون أو قد يساعد في تحسين العمل".
الإضرار بالمصلحة الوطنية
هاجم المتشددون أيضاً العقود التي تم توقيعها مع الشركات الفرنسية، بما فيها شركات إيرباص وبيجو وتوتال، خلال زيارة روحاني إلى باريس الأسبوع الماضي، حيث اعتبرها المتشددون تضر بالمصلحة الوطنية.
شركة الطيران الوطنية الإيرانية اتفقت مع إيرباص على شراء 118 طائرة، بما فيها 12 طائرة من طراز A380 العملاقة، وستكون قيمة الصفقة حوالي 25 مليار دولار، وهي أكبر صفقة شراء طائرات عقدتها إيران منذ قيام الثورة الإسلامية في عام 1979.
وفي مقال نشرته وكالة فارس للأنباء الموالية للمتشددين، تساءلت الوكالة عن سبب توقيع الصفقات مع الشركات الفرنسية التي "نسيت معظم المبادئ الرئيسية لحقوق الإنسان، خاصة سلامة البشر، خلال فترة العقوبات"، كما طبعت الوكالة صورة لإحدى طائرات A380 العملاقة وكتبت تحتها: "فقط 5% من الإيرانيين يستخدمون النقل الجوي، والبلد يعاني من ركود اقتصادي، ألا يطرح هذا تساؤلاً حول اختيار الحكومة لإيرباص لعقد أول صفقة كبرى معها".
الاستثمار الأجنبي
لا يعتقد المحللون الإيرانيون أن المعارضة المتشددة تشكل خطراً على العقود الأجنبية، ويقولون إنها تتعلق أكثر بالانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في 26 فبراير/شباط الجاري، فضلاً عن انتخابات مجلس الخبراء الذي سينتخب القائد الأعلى للثورة الإسلامية.
لكن روحاني رد على الاتهامات في مقابلة مع التلفزيون الإيراني يوم الثلاثاء الماضي قائلاً: "لم نصرف دولاراً واحداً من عائدات النفط في شراء طائرات إيرباص الجديدة التي سيتم دفع ثمنها على مدى 8 سنوات. كل البلدان التي لديها اقتصادات ناجحة، مثل الصين والهند وكوريا الجنوبية، تدين بإنجازاتها للاستثمار الأجنبي، التكنولوجيا وصادراتها".
وذكَّر روحاني معارضيه بالأيام التي كان فيها "حتى أصدقاؤنا يرفضون القيام بالمعاملات البنكية معنا، مثلما كانوا يرفضون شراء ولو برميل واحد من النفط".
– هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة Financial Timesالبريطانية، للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.