للأماكن سحرها وجاذبيتها وعلاقتها بزائريها، مدن قليلة لها مكانة في نفسي بلا مبررات، أحببت دمشق من سبع مدن عربية زرتها، أحببت لندن ولم أحب ولايات أميركية ومُدُنًا أوروبية أخرى، لا قاعدة معينة.. كأنما عاش الواحد منا في هذا المكان في زمن آخر.
يروادني كثيراً خاطر أن مشاعري نحو كل مدينة متبادلة، ذهبت إلى لندن أول مرة أحمل لها في قلبي حبًّا قديمًا بدأ وأنا في الثامنة عندما زارها أبي وعاد محملاً بالهدايا والحكايا، أحبها أبي فأحببتها وذهبت مترقبة لقاءها، ولم تخذلني، استقبلتني بحب وود، لم أجده في مدن أخرى فلم تنزعج من حجابي أو ملامحي الشرقية، لم أشعر فيها بغربة انتابتني في مدن أخرى عربية. لم أواجه في لندن أي تصرف عنصري -رغم أنه يحدث- أتذكر أني سألت سيدة عن عنوان فسارت معي عشر دقائق حتى وصلت إليه..
تناولت إفطارا متواضعا في الفندق لتوجسي من الحلال والحرام فجاءتني صباح اليوم الثاني سيدة كبيرة أظنها هي كبيرة الطهاة وسألتني إن كنت أريد طعاما معينا في الإفطار لتعده لي. خرجت يوماً من مترو الأنفاق في مكان خطأ، فقادتني لندن إلى شارع يضج بالأغاني العربية تصدح من السيارات المتوقفة على جانبيه، وتاهت عيناي المدهوشتان في لافتات المحال المكتوبة بالعربية، ضللت طريقي وتسرب الخوف لقلبي فأخذتني لندن إلى شارع العرب فيها لتطمئنني! هل هناك حب أكثر من هذا؟
على الجانب الآخر سافرت صديقة لأداء مناسك العمرة وكانت لديها تخوفات مما تسمعه من حكايات المطوعين، عندما أسرت لي بمخاوفها، أكدت لها أني لم أرَ شيئا يقارب ما تتوجس منه في المرات العديدة التي زرت فيها الأراضي المقدسة. الغريب أن مخاوفها تحققت وتعرضت فعلاً لموقف قاس بلا داع!
هذه الكلمات لا تأتيك عزيزي القارئ في إطار إثبات قانون الجذب، لكنها محاولة لنفهم سوياً كيف تؤثر مشاعرنا على تصرفاتنا وعلى ما حولنا.
أتذكر في طفولتي كنت أخشى الكلاب جداً، فأجري كلما رأيتها، حتى علمتني أمي أن الخائف يجلب على نفسه مواجهة كان يمكنه تجنبها، علمتني أن الخوف يجعل الإنسان مشروع فريسة مغرية جداً، فقد قرر بنفسه أنه منهزم وأن الآخر أقوى فيستأسد عليه كل فأر. أما من يتحكم في مشاعره ويخضعها فيحسب له عدوه ألف حساب قبل أن يهاجمه وقد يرتدع فلا يهاجمه أصلاً.
تعلمت أن أنظر إلى كل شعور سلبي بعين الصبر والقبول، فالغضب قد يدفعك إلى أفعال تندم عليها لاحقاً، لكنه أيضاً هو المحرك الذي يجعلك تنهض لتبادر بإصلاح أمر فسد، أو التدخل في موقف لتنصف مظلومًا.
القلق قد يستنفد طاقتك في أفكار سوداء على أمور ربما لا تقع أبداً، لكنه أيضاً يدفعك لأن تفكر كيف تتفادى ما يقلقك؟ كيف تتعامل معه إن وقع؟ فتضع خطة بديلة ترفع من احتمالات نجاحك.
الإحباط قد يدفعك إلى اليأس، ولكنه يجبرك أن تنال قسطاً من الراحة الإجبارية، والتوقف لالتقاط الأنفاس، ثم تكمل طريقك.
الحزن قد يدفعك إلى الانسحاب من الدنيا لفترة، لكنه يرقق قلبك ويجعلك أكثر رحمة بمن مروا بنفس التجربة.
الخوف قد يشل تقدمك لفترة، وقد يجعلك مجبرا أن تكون أكثر منطقية في التفكير فتفند الأخطار الحقيقية من الأوهام وتجد حلولاً لمخاوفك.
لا تجزع من المشاعر السلبية فالأمور تعرف بعكسها، ولا تأسى على أنك لا تملك كل ما تود امتلاكه ولا تهلك نفسك بالحزن، فقيمة كل شيء فى الدنيا نسبية وما تموت لأجله الآن قد تزهد فيه غداً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.