يصطف المواطنون العراقيون أمام المصارف لينفضّوا خائبين، إذ لا سيولة في أوراق البنكنوت، والمستشفيات تعاني وضعية التسعينات وعوزها تعقيم لمعدات طبية يفترض استخدامها مرة واحدة فقط، وإضرابات واحتجاجات لتأخر صرف الرواتب.
وفي كردستان سخط البشمركة المحاربة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) من تراكم الأجور المترتبة منذ أشهر.
مشاهد من وسط العراق المثخن بجروح الحرب والذي يواجه الآن مأزقاً سببه تدني أسعار النفط العالمية، خاصة أن النفط وإيراداته يشكلان 90% من دخل البلاد، وفق تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية، الأحد 31 يناير/كانون الثاني 2016.
أزمة اقتصادية جديدة
من جهة أخرى، رأى محللون أن وتيرة الحرب لن تتأثر بفضل الدعم الأجنبي في مواجهة "داعش"، فأميركا مثلاً قدمت سلفة جديدة للعراق أخيراً لشراء أسلحة، ناهيك عن مساعدات عسكرية دولية أخرى.
في المقابل، تخشى الدولة من أن الصدمة الاقتصادية الجديدة ستضطرها لتخفيض ميزانيتها واقتطاع الكثير من إنفاقها، ما سيتسبب دون شك بفوضى وسخط عريضين وسط المواطنين الذين يعتمد 8 ملايين منهم على رواتب الدولة ومعاشاتها.
أزمة اقتصادية جديدة يواجهها العراق المنشغل بقتال "داعش"، خاصة مع تدني أسعار النفط الذي يمثل أكبر مصادر الدخل في البلاد، والذي لم يعد يسمن ولا يغني من جوع إزاء التزامات الدولة للشعب.
تحذيرات من عصيان مدني
موفق الربيعي، عضو البرلمان العراقي المستشار الأمني السابق، حذر من أن إفلاساً محتملاً يتهدد البلاد، وقد يتفاقم أكثر مع حلول الصيف وانقطاعات الكهرباء، ما قد يفضي إلى عصيان مدني شامل.
وفي بلد تزداد الهوة اتساعاً فيه بين طبقة عامة الشعب وطبقة رجال السياسة، غدت المعاشات الحكومية آخر ما يربط المواطن بالحكومة.
وتذمر سلمان نجم (37 عاماً)، الموظف الإداري في جامعة كركوك، من شبح خفض الرواتب الذي يلوح في الأفق لأنها "مصدر دخلنا الرئيسي ولا بديل آخر لدينا".
زلزال مترقب
أما أحمد الربيعي، عضو مجلس محافظة ديالى، فتخوف من "زلزال تعقبه رجات وخيمة" ستنزله أزمة النفط بالبلاد في ظل عجز الدولة عن دفع الأجور لملايين الموظفين والفلاحين والمزارعين في محافظته.
وكان مقترح لرئيس الوزراء، حيدر العبادي، العام الماضي باقتطاع الرواتب، أثار موجات غضب عارمة من قبل الرأي العام العراقي، ما أجبره على التراجع عن اقتراحه، مبدئياً على الأقل.
إصلاحات جذرية
المستشار الحكومي، لؤي الخطيب، مؤسس معهد الطاقة العراقي، قال إن البلاد بحاجة لإصلاحات جذرية "تطال كل جزء من منظومة الاقتصاد والبنية الاجتماعية العراقية".
لكن اقتطاعات الإنفاق وشبح خفض الموازنة أمران دخلَا حيز الواقع في كثير من القطاعات في البلاد، حيث تم وقف العمل بمشاريع إنشائية، بما في ذلك مشافٍ ومدارس ومعامل وملعب كرة قدم.
وزارة الصحة اقترحت أيضاً أن يدفع المواطنون أجور الرعاية الصحية، ما سيلغي تماماً نظام العلاج المجاني الذي أسسه حزب البعث في السبعينيات.
شيئاً فشيئاً، يتلاشى النمو الاقتصادي الذي نتج عن ترف الإنفاق في أيام الرخاء، كما يقول وكيل استيراد سيارات جاغوار إن تجارته مهددة بالكساد قريباً.
وأضاف الخطيب أن على الحكومة إجراء تغييرات جذرية، مثل نظام الضرائب واقتطاع أجزاء من الرواتب الحكومية، وخفض الدعم الحكومي لأسعار الوقود والتموين الغذائي الشهري.
ورأى أن اتخاذ أي من هذه الخطوات من شأنه إعادة ترتيب جذري للمجتمع الذي يعتمد مواطنوه كثيراً على الدولة في معيشتهم.
ثقافة شعبية
أما مضر محمد صالح، المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء، فقال: "إنها ثقافة العراق، فالكل يجلس منتظراً الحكومة أن تطعمه".
لكن هذه الثقافة ستصعب كثيراً فرض نظام ضريبي، كما تنوي الحكومة فعله بغية زيادة إيراداتها بعيداً عن النفط وأسعاره، غير أن المواطن بدوره يستنكر أن يدفع ضريبة مقابل لا شيء، إذ لا خدمات ولا تحسينات ملموسة.
مطالبات بدعم دولي
وكان المستشار صالح عاد من المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس بسويسرا، حيث طلبت العراق من المجتمع الدولي مد يد العون.
وكان العراق قام بسحب 40 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية للوفاء بالالتزامات الحكومية.
ولذلك يسعى المستشار الاقتصادي لإيجاد بدائل بالاتفاق مع خبراء من مصارف "دويتشيه بنك" و"جي بي مورغان" و"سيتي بنك"؛ لتجديد مساعي بيع سندات مالية في السوق العالمية.
كما سيحاول العراق بيع شهادات استثمار ادخارية للمواطنين العراقيين باسم الوحدة الوطنية بغرض جمع مبلغ 4 مليارات دولار، وهي مبادرة لن تتم بسهولة في هذه الدولة التي لا يثق سكانها بحكومتهم.
كما يعكف صندوق النقد الدولي على العمل مع الحكومة العراقية لحل مشاكل الموازنة، في عملية قد تكلف مليارات الدولارات من الديون.
لكن مع ذلك يخشى صالح السيناريو الأسوأ المتمثل في هبوط الأسعار أكثر فأكثر مثل حقبة التسعينيات التي عصفت باقتصاد البلاد.
هذا الموضوع مترجم بتصرف عن صحيفة New York Time الأميركية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط هنا.