إنك امرؤ فيك داعشية (6) من تراث السادة الأشاعرة

إني أقول لكل أشعري يستحي من نقد هذا الكلام، أو يحاول تأويله بكل أنواع التأويل المتكلف المعتسف دون نقده نقدًا جذريًا، ثم هو مع هذا يهاجم داعش، أقول له: يا صديقي الأشعري، إن لم تكن تعتقد هذا الكلام أعلاه فلا كلام معك، لكن إن كنت تعتقده وتدرسه في مناهجك دون أن تنقده نقدًا جذريًا بل ربما تقول به، ومع هذا تهاجم داعش وتنقم عليها؛ فيؤسفني أن أقول لك: إنك امرؤ فيك داعشية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/30 الساعة 04:49 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/30 الساعة 04:49 بتوقيت غرينتش

إنك امرؤ فيك داعشية (6)

جولة في تراث السادة الأشاعرة

ولا نزال في سلسلتنا حول "الداعشية" في تراث الطوائف، الداعشية التي يؤمن بها ويعتقد بصحتها مَن ينكر على داعش، بينما لم تفعل داعش أكثر من إخراج تلك الأقوال من حيز التنظير إلى حيّز التنفيذ، هذا وهي في حالة حرب يتوقع فيها العنف والقتل والتصفية، لكن تنظيرات العقائديين من مختلف الطوائف في متون "عقائدهم" إنما هي أحكام كلية بحق المخالفين من غير اشتراطِ أن يكون ذلك في ظل حرب قائمة مسبقًا.

يعيب الأشاعرة على السلفيين عنفهم، ويعيّرونهم بشدتهم، فهل خلا التراث الأشعري من هذا العنف وتلك القسوة والشدة؟

دعونا نتجول قليلاً في بعض متون السادة الأشعرية.

هذا الإمام الغزالي وهو مَن هو – ولابد هاهنا من الالتفات إلى التطور الفكري للإمام الغزالي، غير أن ما أنقله هاهنا هو في النهاية من التراث الخالد للأشاعرة الذي لا يكاد يخلو منه مجلس علم – هذا الإمام الغزالي يقول في كتابه الشهير (الاقتصاد في الاعتقاد)، في سياق حديثه عن الفرق المخالفة، يقول: "الفرقة الثانية: طائفة مالت عن اعتقاد الحق كالكفرة والمبتدعة. فالجافي الغليظ منهم الضعيف العقل الجامد على التقليد الممتري على الباطل من مبتدأ النشوء إلى كبر السن لا ينفع معه إلا السوط والسيف. فأكثر الكفرة أسلموا تحت ظلال السيوف، إذ يفعل الله بالسيف والسنان ما لا يفعل بالبرهان واللسان".

هذا هو! ارفع السيف والسوط على أعناق هؤلاء وظهورهم؛ لأنهم ضعفاء العقل! جامدون على التقليد قد كبروا ونشأوا عليه، لا يجدي مع هؤلاء إلا السيف والسوط، فإن أكثر الكفرة – كما يقول – إنما أسلموا قهرًا بالسيف.

ولا داعي للنقاش في هذا الكلام الذي يزعم أن الإسلام إنما انتشر بالسيف، وهو عين ما يردده المستشرقون. وما عليهم من حرج ما دام ساداتنا العلماء الكبار يقولون بهذا.

وهذا القاضي عياض من كبار علماء الأشاعرة يقول في كتابه الشفا عن المخالفين من "المبتدعة"، يقول: "والصواب ترك إكفارهم والإعراض عن الحتم عليهم بالخسران وإجراء حكم الإسلام عليهم في قصاصهم ووراثاتهم ومناكحاتهم ودياتهم والصلواة عليهم ودفنهم في مقابر المسلمين وسائر معاملاتهم، لكنهم يغلظ عليهم بوجيع الأدب وشديد الزجر والهجر حتى يرجعوا عن بدعتهم وهذه كانت سيرة الصدر الأول فيهم، فقد كان نشأ على زمن الصحابة وبعدهم في التابعين من قال بهذه الأقوال من القدر ورأي الخوارج والاعتزال، فما أزاحوا لهم قبراً ولا قطعوا لأحد منهم ميراثاً، لكنهم هجروهم وأدبوهم بالضرب والنفي والقتل، على قدر أحوالهم؛ لأنهم فساق ضلال عصاة أصحاب كبائر".

فالمبتدع يغلظ عليه بالأدب الوجيع، والزجر الشديد، وبالهجر، والنفي، بل القتل وإزهاق الأرواح!

لكن رغم هذا، يرى الإمام عبدالقاهر البغدادي، صاحب كتاب أصول الدين الشهير في حق المعتزلة: "اعلم أن تكفير كل زعيم من زعماء المعتزلة واجب من وجوه..".

ثم أفاض في أسباب تكفيرهم، وهذا ليس تكفير إطلاق بل تكفير أعيان، يترتب عليه ما يترتب على أحكام التكفير.

وخصص البغدادي مسألة في كتابه الآنف الذكر حول أنكحة أهل الأهواء وذبائحهم ومواريثهم، فقال: "أجمع أصحابنا أنه لا يحل أكل ذبائحهم، وكيف نبيح ذبائح من لا يستبيح ذبائحنا؟ وأكثر المعتزلة مع الأزارقة من الخوارج يحرمون ذبائحنا، وقولنا فيهم أشدّ من قولهم فينا [تأمّل اعترافهم بأنه مع خصومه أشد من خصومه معه!]، ولا يجوز عندنا تزويج المرأة المسلمة من واحد منهم، فإن عُقِد العقد فالنكاح مفسوخ، وإن لم تعلم المرأة ببدعة زوجها حتى وطئها فعليها العدة، ولها مهر المثل بالوطء دون المهر المسمّى، والمرأة منهم إن اعتقدت اعتقادهم حرم نكاحها وإن لم تعتقد اعتقادهم لم يحرم نكاحها لأنها مسلمة بحكم دار الإسلام".

ثم يقول: "وأجمع أصحابنا على أن أهل الأهواء لا يرثون من أهل السنة، واختلفوا في ميراث السني منهم، فمنهم من قطع التوارث من الطرفين، وبه قال الحارث المحاسبي، ولذلك لم يأخذ ميراث والده لأنه كان قدريًا. ومنهم من رأى التوريث منهم".

ثم ذكر مسألة قبول شهادات أهل الأهواء والاختلاف فيها، ثم طرح مسألة خطيرة جدًا، ماذا لو كانت الدار دار أهل الأهواء؟ كأن يحكم فيها السلفيون مثلاً – بحكم أن السلفيين عند الأشاعرة مجسمة ومشبهة – أو المعتزلة؟ أو الإباضية؟ أو الشيعة؟

يقول عبدالقاهر البغدادي في كتابه: "كل دار غلب عليها بعض الفرق الضالة ينظر فيها، فإن كان أهل السنة فيها ظاهرين يظهرون السنة بلا خفير ولا جوار من مجير ولا خوف على النفس والمال فهي دار إسلام، واللقيط فيها حر مسلم لا يسترق، ويجب تعريف اللقطة فيها، وإن لم يقدر أهل السنة [أهل السنة عنده هم الأشاعرة] على إظهار الحق إلا بجوار أو مال يبذلونه فهي دار حرب وكفر، واللقيط فيها كاللقيط في دار الحرب! [أي أنه يسترقّ كما يفعل بأبناء الكفار فتأمّل]".

ثم يقول: "واختلف أصحابنا في حكم أهل هذه الدار، فمنهم من حرّم ذبائحهم ونكاح نسائهم وأجاز وضع الجزية عليهم [تأمل ثم تأمل هذا أخي القارئ]، وأجراهم في هذا مجرى المجوس وهذا اختيار الأستاذ أبي إسحاق إبراهيم بن محمد الإسفرائيني". انتهى عنفه يرحمه الله!

هذه إطلالة على "بعض" تراث الأشاعرة، وليس هذا كل ما في يدي، وما غرضي هاهنا إلا بيان ما في تراث جميع الطوائف من عنف وداعشية مما هو مسطور في الكتب، ولم ينل حظه – بفعل أبناء الطائفة نفسها – من النقد الحقيقي والجذري والشامل، ولولا خشية الإطالة لأفضت في النقول والنصوص التي تنضح داعشية.

إني أقول لكل أشعري يستحي من نقد هذا الكلام، أو يحاول تأويله بكل أنواع التأويل المتكلف المعتسف دون نقده نقدًا جذريًا، ثم هو مع هذا يهاجم داعش، أقول له: يا صديقي الأشعري، إن لم تكن تعتقد هذا الكلام أعلاه فلا كلام معك، لكن إن كنت تعتقده وتدرسه في مناهجك دون أن تنقده نقدًا جذريًا بل ربما تقول به، ومع هذا تهاجم داعش وتنقم عليها؛ فيؤسفني أن أقول لك: إنك امرؤ فيك داعشية.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد