نحو إرادة التغيير المدني

فالبلديات ومؤسسات الحكم المحلي عليها مسؤولية أخلاقية وإنسانية بقدر ما تحمل من مسؤوليات في الخدمات العامة وتقديمها، فهذه المؤسسات مطالبة بالتعامل مع الإنسان، والإنسان بروحه وبدنه وحاجاته وتطلعاته هو الإنسان، وعلينا أن لا نحلل شخصيته وكيانه بغير هذه الصورة إن أردنا التغيير الفعلي.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/29 الساعة 02:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/29 الساعة 02:08 بتوقيت غرينتش

تتجدد القيم الإدارية في حياتنا بصورة سريعة، وتأخذ هذه القيم المتجددة مكانها في سياقات العمل العام والخاص، وتكاد تشكل مفاهيم تواضع البشر على العمل بها على إثر نجاحها في إحدى البيئات التطبيقية، لتكون كفيلة بانتشارها عالمياً على مستوى النخب والمؤسسات التكوينية والتدريبية، ومراكز البحث والدراسة ونحوها.

عند حديثنا عن التغيير الإداري فنحن بحاجة إلى دستور قانوني يتكئ عليه العاملون في هذا المجال، يحمي هذا التغيير ويقننه على شكل مواد ضابطة، ولكن.. في حال افتقاد مثل هذه المرتكزات القانونية، فهل يعني ذلك فناء التغيير والحكم المسبق بميلاده ميتا؟

لقد ثبت بالتجربة أن المجتمع يحتاج لنموذج ريادي ناجح واحد ليلتفت إليه كأنموذج، ومن هنا تأتي الحاجة للطبقة والشريحة الوسطى التي تتمثل بالمؤسسات الخدمية العامة لتلعب دور الوسيط في نقل التجارب وتفعيل القدرات وصناعة الأنماط الجديدة من العمل وتعميمها على المجتمع.

فالبلديات ومؤسسات الحكم المحلي عليها مسؤولية أخلاقية وإنسانية بقدر ما تحمل من مسؤوليات في الخدمات العامة وتقديمها، فهذه المؤسسات مطالبة بالتعامل مع الإنسان، والإنسان بروحه وبدنه وحاجاته وتطلعاته هو الإنسان، وعلينا أن لا نحلل شخصيته وكيانه بغير هذه الصورة إن أردنا التغيير الفعلي.

لقد ثبت بالبرهان والدليل أن تجارب الحكم المحلي في عدد من الدول الأوروبية باتت ناجحة وريادية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، واقع الخدمة الصحية لكبار السن والمعاقين ملقى على مؤسسات الحكم المحلي، لا بتقديم العلاج لهم، بل بتقديم كل الخدمات الترفيهية والتثقيفية والتأهيلية التي تعينهم على الحياة كإنسان يعيش ويتفاعل في مجتمعه.

وعلى هذا المنوال، يمكن لنا الحديث لساعات عن الشراكات التي تتم بين البلديات والجامعات والمشروعات المشتركة على مستوى الجانب العلمي والبحثي والمتاحف وافتتاح المؤسسات الثقافية والفنية وحالات احتضان الكفاءات وتطويرها وتعزيز مكانتها في المجتمع، وهو أمر ينعكس بصورة حيوية ومباشرة على المجتمع ويوجد فيه حالة التغيير والأمل والتفاعل.

وفي الجانب الآخر، تجد البلديات الروتينية البليدة، التي تتعامل بعقليات الماضي السحيق، تغرق المجتمع بالشعارات واليافطات ولا تقدم له أي مشروع نهضوي تنموي يمس حياته أو يطور قدراته أو يعينه على هموم الحياة المتراكمة.

وما بين هاتين الصورتين، ترتسم ملامح عالمنا العربي، بين من ينظر للتغيير والتنمية ويتبناهما كشعار وسلوك، وبين من ينظر للمناصب كفرصة ذهبية للاختلاس وتحقيق المنافع الشخصية على حساب مجتمعه المبتلى بالفقر والجهل وأعباء الحياة والكبت السياسي الخانق.

هنا تكمن المسؤولية الاجتماعية على كواهل رجالات المجتمع في الضغط على صناع القرار في مؤسسات الحكم المحلي بتفعيل القدرات الموجودة بين أيديهم لصالح المجتمع، من خلال مشروعات تنموية حقيقية وواقعية، يمكن لهم من خلال الشراكات مع المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني أن يفتحوا أبوابها بصورة مميزة، تبث في المجتمع حالة من الوعي والتنافس الإيجابي في مسارات الحياة المختلفة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد