أكد الكاتب التونسي نوري غانة أن تونس، مهد الربيع العربي، تحولت إلى الأمل الأخير لذلك الربيع بعد الانتكاسات الكارثية التي حوّلت بعض الثورات الشعبية إلى حربٍ أهلية كما في سوريا وليبيا، أو إلى حكمٍ عسكري كما هو الحال في مصر، مطالباً بالحفاظ على المستقبل التونسي قبل أن يتحول إلى مجرد أوهام.
غانة في مقال له بصحيفة "الغارديان" البريطانية تحت عنوان "كنت مخطئاً تماماً" أكد أن الحكومات المتتالية بعد الثورة التونسية فشلت فشلاً ذريعاً في ما يتعلق بقضايا الحرية والكرامة.
وأضاف أنه من الصعب التكهن بمستقبل الثورة التونسية خصوصاً مع ازدياد حالة الاستياء بين التونسيين حول الأوضاع لدرجة قادت البعض إلى المطالبة بعودة بن علي.
وإلى نص المقال:
"كنت مخطئاً تماماً".. كتاب عرب يتحدثون بعد 5 سنوات من الربيع العربي
على مدار السنوات الخمس الماضية تغيرت الصورة التونسية في الإعلام المحلي والدولي بشكل كبير، فتحولت تونس من مهد الربيع العربي إلى الأمل الأخير لذلك الربيع. الانتكاسات الكارثية التي حولت بعض الثورات الشعبية إلى حربٍ أهلية (كما في سوريا وليبيا) أو إلى حكمٍ عسكري كما هو الحال في مصر، كل تلك التحولات عززت من الدور التونسي كمركز لقصصٍ جديدةٍ استثنائية. إلا أنه بينما يشير ذلك لإنجازات الثورة التونسية السلمية، فإنه يشحذ الوعي تجاه فظاعة الصعوبات المستمرة التي تمر بها الدولة.
ربما ليس من الغريب إصرار الحكومات المتوالية عقب الثورة على الإشارة إلى الوضع الكارثي المضطرب في ليبيا المجاورة، ناهيك عن الحديث الذي لا ينتهي عن سوريا واليمن في محاولة لصرف الأنظار عن فشل تلك الحكومات في قيادة البلاد.
سلسلة فشل المسؤولين الرسميين المنتخبين ديمقراطياً أكبر من أن يتم حصرها، ويكفينا أن نشير إلى فشلها التام في الوفاء بالوعود التي جاءت الثورة من أجلها والتي لُخِصت في شعار واحد: "شغل، حرية، كرامة وطنية". الهجومان الإرهابيان اللذان استهدفا سائحين أجانب في المتحف الوطني بباردو في 18 مارس/آذار 2015 وأحد الفنادق الواقعة على شواطئ سوسة في 26 من يونيو/حزيران أسهما بشكل كبير في تدمير السياحة التونسية لتترك وراءها آلاف من العائلات بلا دخل مادي.
التضييقات والتشديدات على الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا والحرب الأهلية الدائرة في ليبيا كذلك كانا سبباً في تفاقم أزمة البطالة ونقلت الوضع من حالته السيئة إلى حالةٍ أكثر سوءاً.
فشلت الحكومات المتتالية بعد الثورة فشلاً ذريعاً فيما يتعلق بقضايا الحرية والكرامة بشكل أساسي على الرغم من تفاخر تونس بدستورها التقدمي الذي اعتمدته في 26 يناير/كانون الثاني 2014، كونه يضاهي أكثر الدساتير تقدميةٍ في العالم.
فتمت مواجهة التظاهرات السلمية بالعنف الأمني، في حين تستمر اعتداءات الشرطة الوحشية وتعذيب المعتقلين في السجون في جميع أنحاء البلاد لتعيد إلى الأذهان صورة الدولة الاستبدادية من جديد.
الحريات المدنية كذلك لم تسلم من العبث بها، ففي 25 يوليو/تموز 2015، صوّت أعضاء البرلمان التونسي بأغلبية ساحقة على قانون محاربة الإرهاب الذي تصل حد العقوبة فيه إلى الإعدام، في حين وضع تعريف غير واضح للإرهاب مما يضع المتظاهرين العاديين كأمثال من أسقطوا نظام بن علي في مواجهة تهم الإرهاب وفق القانون.
في الوقت ذاته، أدت حالة الاستقطاب بين الإسلاميين والعلمانيين في المجال العام إلى الكثير من الجدل غير المجدي حول الهوية الوطنية للدولة وحول مستقبل الدين الإسلامي واللغة العربية، أدت كل هذه الأمور إلى زيادة الضغوط على الأقليات الدينية واللغوية والعرقية والجنسية.
من المفارقات الساخرة أن من أقاموا حالة الجدل تلك وقادوها – قادة ومؤيدو كل من حزب النهضة الإسلامي وحزب نداء تونس العلماني – قاموا بتشكيل حكومة تحالف عقب الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي جرت في 2014. حاول البعض تفسير حالة زواج المصلحة التي حدثت بين الحزبين على عكس الصراع القديم المستمر بين الحزبين بسياسة تقديم التنازلات، حيث رأى البعض الأمر كحالة من الاعتدال ومحاولة الوصول إلى أرض مشتركة، وهو ما قاد لجنة الحوار التونسية إلى الحصول على جائزة نوبل للسلام لعام 2015؛ في حين أن هناك آخرين ليسوا مفتونين بتلك الجائزة، إذ واقعياً ينتهي الحال بمثل تلك التحالفات عند حد نظام الضوابط والتوازنات، وفي نفس الوقت تقلل من حجم دور المعارضة حد التفاهة.
قد يكون من الصعب في نهاية المطاف التكهن بمستقبل الثورة التونسية خصوصاً مع ازدياد حالة الاستياء بين التونسيين حول الأوضاع لدرجة قادت البعض إلى المطالبة بعودة بن علي، في حين أنه على الجانب الآخر، تستمر صورة تونس عالمياً كبلد قادر على احتواء خلافاته السياسية الداخلية بشكل سلمي. لذلك، هناك الكثير مما يجب القيام به للحفاظ على المستقبل التونسي قبل أن يتحول سريعاً إلى مجرد أوهام.