أكدت الكاتبة اللبنانية جمانة حداد أن لبنان التي تحمل الكثير من المتناقضات باتت بحاجة إلى ثورة لتغيير أوضاعها.
وقالت في مقال نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية، السبت 23 يناير/كانون الثاني 2016، إن الكارثة الحقيقية في سوريا اليوم إنسانية بالمقام الأول، فغسل الدماء عن الشوارع أصبح أمراً روتينياً، ورائحة الموت باتت في كل مكان، مشيرة إلى أن هناك سورياً يموت كل ثانية.
إلى نص المقال:
ماذا تقول لصديق أجنبي إذا ما سألك: هل من الآمن زيارة لبنان هذه الأيام؟ هل تخبرهم عن الحياة الليلية في بيروت، أم تُحدثهم عن العواقب الوخيمة لتورّط حزب الله في سوريا؟ هل تخبرهم بأن منتجات شانيل ولوبوتان تباع هنا، أم تخبرهم بأننا، حرفياً، نغرق في القمامة؟ هل تخبرهم بأن بإمكانهم السباحة صباحاً والتزلج بعد الظهر، أم تخبرهم بأن نوابنا لا يستطيعون انتخاب الرئيس؟ هل تتفاخر بكونك لبنانياً، أم تخبرهم بأنك تقضي صباحك دائماً في تحضير خطة بديلة في حال اندلاع الحرب مجدداً؟
ثورة لبنانية؟ نحتاج واحدة بشكل عاجل. هذا أمر مؤكد، لكنه لن يحدث في أي وقت قريب لأننا أبطال في الإنكار. يثني الكثير من اللبنانيين على هذا باعتباره نوعاً من غريزة البقاء، لكن هذا حقاً يقتلنا ببطء خطوة بخطوة، كذبة بعد كذبة.
الأشخاص الذين ينتقدون تدهور البلد يُنظر إليهم على أنهم لا يشجعون السياحة بتشاؤمهم. لكن هذا الأمر لا علاقة له بالتشاؤم، هذا يُدعى مواجهة الحقيقة المرة.
نحن الأضرار الجانبية لما يُدعى بالثورات في البلاد المجاورة. وخاصة الثورة السورية. يكفيك رؤية رسوم الغرافيتي على حوائط بيروت التي تتنوع من الشعارات المضادة للنظام والمؤيدة للأسد، لتستطيع تقييم مدى تأثير الوضع في سوريا على مصير لبنان.
الجميع يعلمون أن جلب الحرب إلى بيروت من الممكن أن يتم في أي لحظة. الكارثة الحقيقية في سوريا اليوم هي إنسانية بالمقام الأول، فغسل الدماء عن الشوارع أصبح أمراً روتينياً، رائحة الموت في كل مكان، وهناك سوري يموت كل ثانية. يتم قتل الناس كالحشرات عديمة القيمة لسببين: من جهة، ديكتاتور مجرم لا يريد التخلي عن السلطة ويرتكب من أجل ذلك مجازر جماعية، وفي الجهة الأخرى، المتطرفون الدينيون – الذين يعيدوننا 500 عام إلى الخلف – يتم دعمهم بشدة من قِبل حلفاء محليين لا مانع عندهم من تدمير العالم باسم الإسلام. كم مرة يجب أن يتكرر هذا النموذج في العالم العربي؟ كم مرة يجب أن يضطر الناس للاختيار بين وحش وآخر؟ ومن هم الضحايا الحقيقيون لهذه الفوضى؟
نحن جميعاً نعلم من هم الضحايا الحقيقيون هم المدنيون. كان لدينا منهم هنا، في لبنان، منذ وقت ليس ببعيد. كانوا مجرد "ضحايا" لم يعودوا يملكون أسماءً وهويات وأحلاماً وأحباباً. هم ببساطة "الثمن الضروري" الذي يجب دفعه من أجل تغذية "القضية المقدسة". والموتى جميعاً يتشابهون في الصمت المؤلم المطبق على أجسادهم.
إن كنت تتساءل، فما قلته بالأعلى لم يكن حديثاً مجازياً، أنا بالفعل قضيت صباحي في الإعداد للخطة البديلة في حال اندلاع الحرب في لبنان مرة أخرى. خطة تتضمن بلداً أجنبياً، بعضاً من الحظ وقدرة عالية على التلاؤم. لأني أعرف أنه في لبنان، وكما قال الكاتب الفرنسي جان جيرودو: "السلام مجرد فترة ما بين حربين". هل يكفي هذا لقيام ثورة؟