سُمِح لأكبر هاشمي رفسنجاني بأن يترشح لمجلس الخبراء، الهيئة الأساسية في النظام الإيراني التي عهد إليها الدستور مهمة تعيين وعزل القادة. بعد أن عرف عنه التقارب مع كل من الإصلاحيين والمحافظين، برز الرئيس الأسبق كشخصية مركزية في معسكر "الاعتدال" الجديد.
بينما تستعد إيران للانتخابات البرلمانية وانتخابات مجلس الخبراء، الهيئة المنوط بها اختيار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران، في 26 من فبراير القادم، يظهر اسم هاشمي رفسنجاني بكثرة في الإعلام وفي المناقشات السياسية. الرئيس الإيراني الأسبق الذي تضائل وجوده على الساحة السياسية أثناء رئاسة كل من محمد خاتمي ومحمود أحمدي نجاد يسطع نجمه من جديد، بحسب تقرير صحيفة الغاردين البريطانية
يخوض رفسنجاني مرة أخرى معركة سياسية جديدة وقد بلغ من العمر إحدى وثمانين سنة. لقد اكتسب شعبية بين "المعتدلين" على مدى السنوات القليلة الماضية، وهو مصطلح تزايدت شعبيته منذ انتخاب حسن روحاني رئيساً في عام 2013 ويشمل بعض الشخصيات التي كان ينظر لها في السابق على أنها من "الإصلاحيين" وآخرين كانوا يحسبون على "المحافظين" (أو الحرس القديم).
وهو بالفعل واحد من أعضاء المجلس الثمانية والسبعين. وقد سمح له بالترشح مرة أخرى هذا الاسبوع.
رفسنجاني وملجس الخبراء
ويتوقع سعيد أبو طالب، العضو السابق في البرلمان الإيراني، أن يكتسح رفسنجاني مجلس الخبراء. ويقول "لا أظن أن يحقق رفسنجاني وحلفاؤه النجاح في الانتخابات وحسب، بل قد يصبح رئيساً للمجلس".
ويرى أبو طالب أن الرئيس القادم للمجلس سيكون له دورٌ هامٌ للغاية، حيث أن المجلس ربما يوكل إليه مهمة اختيار خلفٍ للمرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، البالغ من العمر 76 عاماً والذي أجريت له عملية في البروستات في عام 2014.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بالنسبة لرفسنجاني، فقد استعد مؤيدوه للانتخابات البرلمانية والتي ستضم عددا لا بأس به من المعتدلين المؤيدين لرفسنجاني.
ولكن مجلس صيانة الدستور المسؤول عن مراجعة بيانات المرشحين لم يُجِز ترشيح معظم هؤلاء المرشحين. ولكن بالرغم من كل العراقيل، تظل فئة المعتدلين الجديدة تحظى بفرصة كبيرة في الانتخابات البرلمانية، بحسب ما يرى صادق زيباكلام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، باعتبار أن عدد مرشحيهم المؤهلين يكفي للفوز بأكثر من 30 مقعد من أصل 288، أي حوالي 10%.
كما أن مجلس صيانة الدستور يراجع الحالات التي تم استبعادها من الترشيح، وقد يغير الحكم في بعضها.
يقول زيباكلام "لقد استفاد رفسنجاني والمعتدلون من كل التطورات منذ تشكيل الحكومة الجديدة في 2013، خاصةً الصفقة النووية وما نجم عنها من تطبيق لـ"خطة العمل المشتركة". لذا فرصتهم في الانتخابات كبيرة".
ويرى سعيد أبو طالب أن "أي نجاحٍ للمعتدلين لن يمكنهم من الحصول على الأغلبية. لن يهيمن حلفاء رفسنجاني على البرلمان الإيراني القادم، لكن حضورهم سيكون أكبر مما هو عليه الآن".
ساهم في وصول خامنئي إلى منصب المرشد
وقد تزايدت شعبية رفسنجاني بعد انتهاء رئاسة كل من خاتمي وأحمدي نجاد، حيث كان يتعرض أثناء ولايتهما للهجوم المتواصل من قبل الحكومة، وتعود عدم شعبيته إلى فترة رئاسته بين عامي 1989-1997.
قبل أن يصبح رئيساً، كان لرفسنجاني دورٌ بارز في صعود خامنئي إلى منصب المرشد العام. ففي عام 1989، حينما توفي آية الله خميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية ومرشدها، دون أن يحدد من سيخلفه، أكد رفسنجاني الذي كان برلمانياً بارزاً في ذلك الوقت أن الخميني كان يفضل ترشيح خامنئي. وبعد اختيار مجلس الخبراء لخامنئي كمرشد عام جديد في يونيو 1989، وصل رفسنجاني إلى مقعد رئاسة الجمهورية.
كان تركيز رفسنجاني منصباً على إعادة إحياء الاقتصاد الإيراني الذي أنهكته الحرب عن طريق التحرير الاقتصادي. ويبدو أنه نجح في ذلك، حيث أصبح معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي أثناء فترة رئاسته 5.3%، وهو معدل أعلى بكثير 1،6% الذي كان عليه أثناء فترة رئاسة علي خامنئي (1981-1989).
ولكن فترة رئاسة رفسنجاني لم تضف شيئاً في مجال الإصلاح السياسي أو الانفتاح. فقد تم اغتيال المعارضين أثناء فترة رئاسته فيما عُرف باسم "الجرائم المتسلسلة"، كما أحكمت القبضة على الجامعات.
في نهاية فترة رئاسته الأولى، في 1993، انخفضت الأصوات المؤيدة له من 94%، وهى النسبة التي حصل عليها في انتخابات 1989، إلى 63%.
وفي منتصف التسعينيات، حينما كثر الحديث عن الإصلاح والتغيير، بدا رفسنجاني متحفظاً. وعندما اكتسح خاتمي انتخابات 1997، كانت رئاسة رفسنجاني تُعد متسلطة وفاسدة بالنسبة للإصلاحيين. كما كان لفضح دور الدولة في الاغتيالات المتسلسلة أثرٌ كبير في تلطيخ سمعة رفسنجاني.
في عام 2000، نجح رفسنجاني بالكاد في الانتخابات البرلمانية، ثم استقال لاحقاً. كان الإصلاحيون يستحوذون على أغلبية مقاعد البرلمان، بينما حصل حزب رفسنجاني، كارجوزاران، الذي أسس في 1996، على 40 مقعد.
اتهامات بالفساد
في 2005، حينما ترشح رفسنجاني لانتخابات الرئاسة، خسر أمام محافظ طهران آنذاك، أحمدي نجاد، الذي اتهمه بالفساد. وظلت تلك الاتهامات بالفساد تلاحق رفسنجاني وعائلته طوال فترة رئاسة أحمدي نجاد، وتراوحت بين الرشوة إلى التربح غير المشروع من تجارة البترول. وعلى إثر ذلك، دخل رفسنجاني، السياسي البارز منذ ثورة 1979، في فترة من العزلة السياسية.
ولكن عام 2009 شكل نقطة تحول في تاريخ رفسنجاني الطويل. فحين اندلعت المظاهرات حول نتائج الانتخابات الرئاسية، استطاع رفسنجاني أن يشد انتباه المتظاهرين عن طريق انتقاد حكومة نجاد.
في 17 يوليو 2009، هاجم رفسنجاني في خطبة الجمعة السلطات لسوء تعاملها مع المتظاهرين ودعا إلى اطلاق سراح المعتقلين.
وكانت تلك هي آخر جمعة يخطب فيها رفسنجاني، وتزايد الهجوم عليه وعلى عائلته، بما فيها ابنته فائزة وابنه محسن. كما تم توقيف ابنه مهدي في عام 2012 ووجهت له اتهامات مالية، كما اتهم أيضاً بالتحريض على التظاهر في أعقاب انتخابات 2009، وهو الآن يقضي 10 سنوات في السجن.
في أعقاب أحداث عام 2009، تضائل وجود رفسنجاني على الساحة السياسية. في مارس من عام 2011، تنازل عن رئاسة مجلس الخبراء. وفي 2013، تم منعه من الترشح لرئاسة الجمهورية بسبب سِنِّه.
التوجه نحو الاعتدال
ولكن بعد وصول روحاني إلى رئاسة الجمهورية في عام 2013، عاد رفسنجاني إلى الظهور في الساحة السياسية، معلناً أنه قد راجع العديد من آرائه السابقة. يقول سعيد أبوطالب "يبدو لنا أن رفسنجاني قد أصبح أكثر اعتدالاً من ذي قبل. الآن يدعمه المحافظون المعتدلون بالإضافة إلى المفكرين الإصلاحيين".
بينما طالب رفسنجاني يوماً بفصل الطلاب المعارضين من الجامعات، ها هو اليوم يطالب بالمزيد من الانفتاح في الجامعات. وبينما رفض الحديث عن المصالحة مع الولايات المتحدة، بحلول 2012 أبدى تأييده للمفاوضات مع واشنطن حول برنامج إيران النووي، ويؤكد أن إيران لا يمكنها أن تظل منعزلة عن العالم.
وبينما كان يؤيد سياسة فرض الحجاب ومنع الفساد الأخلاقي، حتى إذا تطلب الأمر استعمال القوة، قال رفسنجاني في عام 2000 أن السلطات لا يجب أن تتدخل في ما يلبسه الناس.
ولكن رفسنجاني ليس السياسي الوحيد الذي تغير. يقول زبلاكلام: "لقد اكتشف العديد من منافسيه من الإصلاحيين واليساريين التقليديين أن سياسة تشويه سمعة رفسنجاني كانت خطئاً كبيراً".
لذلك، منذ فترة رئاسة أحمدي نجاد، تقارب الإصلاحيون مع رفسنجاني، حتى أنهم أصبحوا يشكلون الآن تحالفاً غير رسمي، إلى درجة أن العديد من الإصلاحيين المعتدلين أصبحوا يقبلون قيادته.
هذه المادة مترجمة عن صحيفة الغارديان البريطانية.