كلفة الثورة أقل من فاتورة بقاء السيسي

ينتظر البعض يوم 25 يناير وهم رقودٌ على فراشهم وكأنه يوم الخلاص من كل مشكلات العصر، وإن لم يحدث الخلاص فتباً للثورة والثوار، ولا أمل في أي تغيير على الإطلاق!

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/25 الساعة 02:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/25 الساعة 02:39 بتوقيت غرينتش

يحسب البعض الدعوة للثورة مجرد ترفٍ للداعين لها، أو ملءٍ للفراغ الذي يعانيه الثوار، أو تفريغٍ لشحنة غضب زائدة، لكن الثورة في ظل هذه الظروف التي تمر بها مصر فضلاً عن المنطقة تمثل بنظري فريضة ملحة لا تحتمل التأجيل أو التسويف مهما كانت الحجج والمبررات من خلافات على شكل الاصطفاف أو ماهية التلاحم والتوحد.

ذلك أن الثورات عادة ما تندلع بعفوية دون الحسابات الحزبية أو التنظيمية، لأن الجماهير (غير المؤدلجة) المدفوعة بالتغيير هي الصانع الحقيقي للثورات ولا تهمها تلك الحسابات الحزبية الضيقة المعوقة لأي تحرك.

بعد أن أُغلقت كل الأبواب لم يتبقَ خيار سوى باب الثورة والخروج لانتزاع الحقوق والحرية، ومن ينتظر أن يمن الطاغية عليه بحريته وحقوقه، فهو ساذج، ومن ينتظر فرج الله من غير عملٍ أو أخذٍ بالأسباب فهو متواكلٌ قاعدٌ عن العمل يريد قطف الثمرة دون عناء، ولا هم له سوى لطم الخدود والجأر بالشكوى من سوء الحال والذي فاق كل الحدود.

الثورة ليست يأساً من سوء الواقع بقدر ما هي يأس من النظام الفاسد، وإدراك لا لبس فيه بأن الله لا يُصلح عمل المفسدين، وأن الفاسد لا يمكن بحالٍ من الأحوال أن يأتي على يديه أي إصلاح، اللهم إلا سوى تجميل لقبحه ببعض المسكنات التخديرية خوفاً وطمعاً في تأجيل الانفجار القادم لا محالة، والالتفاف على أي تحرك لثورة لن تُبقي ولن تذر.

كل يوم يمر على هذه البلاد يكلف أجيالاً قادمة لم تولد بعد أعباءً تنوء بحملها الجبال، لذا فإن فاتورة القيام بثورة أقل بكثير من بقاء هذا النظام القمعي الفاسد جاثماً على صدر الوطن المنهك، وأزعم أن بقاءه يمثل وبالاً على الأمة بأسرها، ويحجر على الحاضر، ويُصادر المستقبل، ويُصيب البلاد بداء استقرار الجسد الميت بمرور الوقت، ويفرز أجيالاً مسوخاً مائعة مقطوعة الصلة بدينها وربها نتيجة ترسيخ منظومة أخلاقية معوجة وممنهجة تستهدف العقول بأفكار منحرفة تخاصم دين الأمة وهويتها، وتروج للعهر والفجور.

ينتظر البعض يوم 25 يناير وهم رقودٌ على فراشهم وكأنه يوم الخلاص من كل مشكلات العصر، وإن لم يحدث الخلاص فتباً للثورة والثوار، ولا أمل في أي تغيير على الإطلاق! وكأن 25 يناير ستغير الكون بمفردها دون رجال وأحرار، ذلك أن مقتضيات المرحلة الآن تفرض على الثورة الحاجة لمقاومين لا معارضين، فقد مضى زمن المعارضة، وحان وقت المقاومة.

الثورة يا سادة ليست مباراة كرة قدم محددة بوقت معين ستنتهي عند صفارة الحكم، وإنما طريق طويل من المقاومة والكفاح والنضال المتواصل حتى نيل المطالب (والتي لم تكن بالتمني)، المهم هو قرار الخروج والإصرار على مواصلة المقاومة، والتعلم من تجربة الموجة الأولى للثورة في 25 يناير 2011، حيث إن الدرس الأهم المستفاد من الموجة الأولى أن رأس النظام (المخلوع مبارك) ليس هو المستهدف بقدر بقية الجسد الفاسد من مؤسسات فاسدة حتى النخاع خاضعة للدولة العميقة (التي أينعت) وحان قطافها.

قد لا تكون النهاية في 25 يناير، وقد تكون البداية، ولا نريدها ذكرى تمر كأي ذكرى سابقة، لكن المهم أن تكون موجعة ومؤلمة للنظام وأجهزته، وتخصم من رصيده الآخذ في النفاد، الأمر الذي يعجل بيوم الخلاص الكبير من هذا السجن الأكبر، وتحرير مصر والأمة بأسرها من كابوس الحديد والنار الذي يحكمنا لأكثر من ستة عقود، وليس المهم تحديد الساعة واليوم والتاريخ الذي يهب فيه الشعب ويخرج، لكن الأهم هو الخروج ذاته حتى نثبت للطغاة أن جذوة الثورة ما زالت حية في نفوس الأحرار وهذا أضعف الإيمان.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد