قال الكاتب الفلسطيني مريد البرغوثي، إن الأمل في الثورة المصرية ما زال منعقداً وإن التفاؤل لابد أن يكون شعارهم الدائم حتى تتحقق مطالبهم وأحلامهم.
البرغوثي في مقال له بصحيفة الغارديان البريطانية السبت 23 يناير/كانون الثاني 2016، بعنوان "كنت مخطئاً تماماً"، أكد أن ثورة المصريين ستنجح لسببيين هما أن عوامل الفساد والاستبداد والفقر التي انتفض بسببها المصريون لازالت موجودة، وأن التجربة التي عاشها الشعب لا يمكن له أن يفرط فيها بسهولة.
وإلى نص المقال
"كنت مخطئاً تماماً".. مفكرون عرب يتحدّثون بعد مرور 5 سنوات من الربيع العربي
كتبتُ عام 2012 "العراقيل عديدة، ولا يزال العمل على شيطنة القوى الثورية وقتلهم وتعذيبهم وإرسالهم لمحاكمات عسكرية كما هو. العدالة لا تزال بعيدة جداً ولم تُفعَّل حتى الآن. قتلة المتظاهرين لا يزالون أحراراً، بل وتتم حمايتهم. ولا تزال وسائل الإعلام الرسمية كما هي؛ صندوق من الأكاذيب يبث الخداع والتضليل، وتهديد تولي القوى المحافظة للسلطة صار أمراً واقعاً. من الممكن النظر للثورة كحادث حزين وكفشل تام. ولكن، الثورة ليست حدثاً، الثورة عملية طويلة وشاقة تتطلب جهداً عظيماً. وكما لديها نجاحاتها وإخفاقاتها، لديها أيضاً العديد من المفاجآت."
كان هذا هو الحال تحت حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم الإخوان المسلمين. ولا يزال الأمر كما هو تحت الحكم العسكري للجنرال السيسي.
تعود الكارثة للحظة التي فرض فيها الإخوان المسلمون والجماعات السلفية موضوع "الهوية" في الثورة الشعبية بشكل خبيث. "صوت للإسلام" كان النظام السائد، الذي حول بدوره الصراع. فلم يعد الشعب ضد النظام، لكن صار الشعب ضد بعضه البعض. خط صراع الثورة كان يُمثل الاحتياجات الفعلية للناس، لكن تم استبداله بالغيبيات. تولت جماعة الإخوان المسلمين مهام الرئاسة وحازت أغلبية بمجلس الشعب، واختار محمد مرسي السعودية كأول دولة يزورها رئيس الثورة!
اتفق الإخوان المسلمون سراً مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضد القوى الثورية العلمانية. وأصاب هذا الجبهة المعارضة لمبارك بانقسام خطير. سمح هذا الانقسام للجيش وللنظام القديم بالنجاة، والفوز؛ بالتحالف مع أحد الجانبين ثم مع الجانب الآخر، قبل أن يتخلص منهما معاً. كما لم يمنع مَنح مرسي جنرالات الجيش الأوسمة والتكريمات من الإطاحة به، مُستفيدين في ذلك من الغضب الشعبي الحقيقي ضد أدائه.
على كل حال، لقد كنت مخطئاً جداً حين قلت: "العرب يتركون الآن خلفهم حوادث الانقلابات المتكررة والتي لوّثت تاريخهم الحديث بالحكم العسكري القاسي وغير الشرعي."
لم أتوقع أن يصل مسار الثورة إلى هذه المستويات الدنيئة، ليعيدنا مرة أخرى إلى ثورة مضادة ناجحة وانتقامية. لم أثق قط في الإخوان المسلمين ولم أصدق شعاراتهم أبداً، لكني لم أتوقع أن يختاروا الانتحار السياسي."
يرى الكثيرون اليوم كلمات مثل "أمل" و"تفاؤل" ككلمات بذيئة. لكن لا يزال هناك سببان لنتفاءل.
الأول: الأسباب المادية للثورة في 25 يناير/كانون الثاني 2011 -من فساد واستبداد وفقر-مازالت موجودة، بل وصارت أبشع من ذي قبل.الوضع خطير جداً لدرجة لا يمكن معها أن يستمر: الثورة لازالت مُمكنة، لأنه لا يوجد حلٌّ آخر غيرها.
الثاني: تلك اللحظات العظيمة التي عايشها ملايين المصريين وعانوا من آلامها، وذاقوا فرحها، واكتشفوا فيها إمكانياتهم الحقيقية، واستعادوا الثقة بالنفس. والشجاعة لا يمكن أن تضيع بسهولة. حقيقة أنهم فعلوها مرة من قبل هي دليل على امكانية أن يفعلوها مرة أخرى.