مع اقتراب ذكرى ثورة 25 يناير، وبعد مرور 5 سنوات على انتفاضة الربيع العربي التي هزت العالم، يعود ذات السؤال من جديد: "هل فشلت ثورة 25 يناير في إحداث أي تغيير في مصر؟"، وهو السؤال الذي بدأ المثقفون طرحه بعد أقل من 6 أشهر من انطلاق الثورة، لكن التغيرات الدرامية التي شهدها الواقع المصري تفرض رؤية جديدة في طرح السؤال؛ وهو: ما مصير ثوار يناير الآن؟.
رغم أن الدستور المصري الحالي يعترف بثورة 25 يناير، إلا أن الجميع شاهد كيف هاجم الكثير من أعضاء مجلس النواب الثورة، وهو ما دفع المحامي الحقوقي نجاد البرعي، أن يكتب على صفحته الشخصية في تويتر حينها أن عدم اعتراف بعض نواب البرلمان بثورة 25 يناير يعتبر شيئاً إيجابياً، معلنًا فشل ثورة يناير، وقائلاً إن إعلان ذلك "أمر مريح لكل الأطراف، النظام السياسي هيبقى قدامه يونيو يتعكز عليها وللمعارضين علشان الاعتراف بالفشل هو أول طريق النجاح، وعلشان يبقى الكلام دوغري يناير فشلت ودي 30 يونيو ونتفرج على النجاح وكده، ثورة يناير لا تعترف بمن لا يطبق شعاراتها".
القانون والثورة
يقول المستشار نور الدين علي الفقيه الدستوري، إن رجال القانون دائماً يحافظون على الشرعية الدستورية القائمة باعتبارها هي الأصل، والثورة استثناء، وهي في نظر القانون "عمل غير مشروع لأنه يعد هدماً للشرعية الدستورية القائمة، وذلك مهما كان نبل وسمو الأغراض التي تقوم من أجلها الثورة".
وأكّد علي في تصريحات لـ"عربي بوست" أن القائمين على الثورة يعدون من الناحية القانونية "عناصر فوضوية ومخربة وشرذمة معادية للنظام القائم، وقد يلصق بهم تهم العمالة للخارج، وفي حال الفشل سوف يقدمون أمام المجتمع إلى المحاكمة بتهمة التآمر على سلامة البلاد ومحاولة قلب نظام الحكم بالقوة، والمساس بأمن واستقرار الوطن، وقد تصل العقوبة إلى الإعدام".
وأشار إلى أن "هذا هو المصير الشرعي والقانوني المحسوم لثورة فاشلة، أما إذا كتب لها النجاح فسوف تنقلب الصورة تماماً، وتصبح هي صاحبة الشرعية، وتسقط الحكومات القائمة، لتفسح مكانها للحكومة الثورية الجديدة".
ما بين السجن والانتحار والتطرف
كان الشباب المسيس المنتمي لحركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين من أهم الأطراف المشاركة في ثورة 25 يناير، إلى جانب باقي القوى من تيارات الإسلام السياسي، والتي حضرت بقوة من خلال جماعة الإخوان المسلمين، وبعض الحركات السلفية الثورية التي كانت رافداً أساسياً في تشكيل ما يعرف بعد بـ "حركة حازمون".
مصير هذه القوى كان مرتبطاً بنجاح الثورة من فشلها، حيث أصبحوا ما بين السجن والمطاردة داخل وخارج البلاد، وما بين اليأس، وهو الذي تجلى في عدة صور منها التطرف الفكري، أو الانتحار أو حتى اعتزال العمل العام، فيما بقي جزءٌ آخر حاول التكيف مع التغييرات الجذرية التي واكبت فشل الثورة، ومنهم من ترك نفسه للتيار وأصبح جزءاً منه، كما حاول بعضهم أيضاً أن يمسك العصا من المنتصف.
الرموز
بينما لم يتمكنوا من التوحد في الشارع، وجد أغلب رموز ثورة 25 يناير أنفسهم في مواجهة نفس المصير، وهو مشاركة السجون أو الملاحقة بالخارج، أو اعتزال السياسة يأساً، ومن هؤلاء من هاجر خارج البلاد مثل وائل غنيم مؤسس صفحة "كلنا خالد سعيد"، وأحد أيقونات ثورة 25 يناير، الذي سافر إلى أميركا، والدكتور محمد البرادعي، الذي رجع إلى النمسا، بعد أن كان الرمز الذي عاد من الخارج ليقود المظاهرات من ميدان الجيزة في جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني 2011، وعاد وائل عباس مرة أخرى إلى أميركا ليبدأ للتغريد منها بعد أن كان صاحب الفضل في توثيق حالات التعذيب التي تمت ضد المواطنين في أقسام الشرطة من خلال مدونته على الإنترنت.
واستقبلت قطر العديد من رموز الثورة الهاربين من المطاردات، سواء من قيادات جماعة الإخوان المسلمين، أو من رموز الثورة من الشباب، وكان منهم معاذ عبد الكريم المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين والعضو السابق لائتلاف شباب الثورة، وأحد المتحدثين باسمها، وكذلك هناك عبد الرحمن عز الذي عرف كأحد شباب ثورة 25 يناير وكان عضواً بحركة 6 إبريل.
فيما اعتزلت أسماء محفوظ العمل الثوري، بعد أن تركت حركة شباب 6 إبريل عقب الثورة وبعد زواجها فضّلت الحياة الأسرية، وهو ما نحّاها عن المشهد السياسي بشكل كبير منذ فترة طويلة، فيما حرصت رفيقتها في النضال إسراء عبد الفتاح أن تكون من الماسكين بالعصا من المنتصف، بعد أن كانت أحد الداعين لثورة 25 يناير وأحد رموزها، لكنها ابتعدت عن صف زملائها الثوريين، واستقالت من حزب الدستور في أكتوبر/تشرين الأول 2013 واهتمت بالعمل الحقوقي، وأيدت ترشح السيسي للرئاسة معتبرة أنه "صاحب الشعبية الأكبر الذي لا يوجد من ينافسه".
فيما وحد السجن بين المتصارعين على الثورة، وهذا كان مصير مؤسسي حركة 6 إبريل أحمد ماهر ومحمد عادل، ومعهما العشرات من أعضاء الحركة، وكذلك أحمد دومة أحد رموز ثورة 25 يناير، والمئات من قيادات الإخوان المسلمين؛ أشهرهم في ثورة 25 يناير، الدكتور محمد البلتاجي، والدكتور صفوت حجازي، كما انضم لهم جناح ثورة 25 يناير في حركة "تمرد" التي أسست لـ30 يونيو، حيث يحاكم العشرات منهم الآن كمحب دوس أحد الـ5 الذين أسسوا تمرد.
عندما ينطفئ الحلم
غير أن أسوء مصير لرموز الثورة كان لأولئك الذين استحالت عندهم الحياة، وتحولت إلى ألم داخلي ويأس لا يُقاوم، ليقرروا الانتحار أو تبني الأفكار المتطرفة والخيار المسلح.
زينب المهدي، من تلك النماذج التي دفعها اليأس لأن تنهي حياتها بيدها أواخر 2014، وكانت سبباً في دموع الآلاف عليها، خصوصاً أنه عرف عنها حبها لوطنها ورفضها لظلم السلطة في كافة العهود بداية من عهد الرئيس المخلوع مبارك وحتى عبد الفتاح السيسي، وهي طالبة جامعة الأزهر المتفوقة، الباحثة عن الحقيقة، من انتمائها لجماعة الإخوان المسلمين قبل ثورة 25 يناير، إلى المتمردين عليها ضمن حزب "مصر القوية".
واختارت المهدي أن تنهي حياتها معلقة بحبلٍ متدلٍّ من سقف غرفة نومها، تاركةً رسالة وحيدة هي "هتوحشيني يا ماما". وفي آخر كلمات لها مع أحد أصدقائها، عبرت زينب عما بداخلها بالقول: "تعبت.. استهلكت.. ومفيش فايدة… وإحنا بنفحت في ماية.. مافيش قانون خالص هيجيب حق حد.. وبنحاول نقول كلمة حق نقدر بيها نبص لوشوشنا في المراية من غير ما نتف عليها.. بس مفيش عدل.. وأنا مدركة ده.. ومفيش أي نصر جاي.. بس بنضحك ع نفسنا عشان نعرف نعيش".
أحمد الدري.. الضابط الثائر
ما إن خرجت وسائل الإعلام في 2014، لتعلن عن وفاة أحمد الدري في العراق بعد انضمامه لتنظيم "داعش"، حتى انكشف معها وجه آخر للانتحار بعد اليأس، فالناشط أحمد معروف بكونه ضابط الشرطة المستقيل اعتراضاً على التعذيب قبل ثورة 25 يناير، وذاع صيته بعد الثورة بمحاربة الظلم والدعوة لدولة مدنية ديمقراطية، وكان من المؤمنين بالديمقراطية، وشارك في انتخابات البرلمان في 2012، إلا أنه قرر "الانتحار المقنن"، وتحول حلمه من أن يكون "نائب الشعب"، ليكون "الأخ أبو معاذ المصري القائد العسكري لجماعة جند الخلافة باللاذقية"، وهو الشاب الذي ترعرع بمنطقة المعادي الراقية، وكان يحلم بتحقيق العدالة في وطنه، وصاغ مشروعاً ضمن برنامجه الانتخابي، سعى فيه إلى رفع الظلم عن الوطن وهيكلة وزارته التي نشأ بها، وهي وزارة الداخلية.
يكن والغندور وأحلام صدمها الواقع
لم يكن أكثر المتشائمين من المقربين للصديقين هشام يكن ومحمود الغندور يتخيل ولو للحظة أن يكونا ضمن تنظيم متطرّف مثل "داعش"، فهما الشابان المرفهان بمصر الجديدة، والحالمان بأن يكونا نجوماً في الرياضة، فهشام كان عاشقاً لكمال الأجسام، فيما سعى الغندور ليكون مثل عمه الحكم الشهير جمال الغندور، إلا أن أحلام الاثنين مع ثورة 25 يناير وصدمة الواقع جعلت اليأس يتملكهما ليهاجرا إلى العراق وينضمّا لـ"داعش".
ومع إعلان وسائل الإعلام في 2014 عن خبر انضمامهما لـ"داعش"، جاءت قصصهما لتكشف حقيقية ما حدث لمن شارك في 25 يناير، وكيف لشاب مثل الغندور، الذي كان عضو فريق التمثيل بالجامعة عام 2012، كما قال عن نفسه "كنت في الجاهلية ملحداً وخارج الدنيا وبتاع راب، وضايع"، ولكنه تأثر بشخصية حازم أبو اسماعيل، وتبنى حلمه للوطن، تحت شعار "نعيش كراماً"، فلم يتحمل التخلي عن حلمه مثل المئات من أبناء حركته، وفور خروجه من تجربة السجن الصعبة في 2014، قرر أن ينتمي إلى أكثر التنظيمات تطرفاً في العالم، تاركاً الدموع والأسى في قلوب أهله وملايين الشباب الذين تبنوا حلمه.
ولم يختلف الحال عند يكن، وتحول من النقيض إلى النقيض، من شاب يتباهى بعضلاته ويفتخر بممارسة الجنس مع النساء، إلى شاب يفتخر بقطع الرقاب، ورغم محاولته بأن يكون صاحب فكر ورؤية في ثورة 25 يناير، إلا أن الواقع صدمه كما ذكر أحد أصدقائه لصحفية "النيويورك تايمز"، فهو حديث العهد بطموح التغيير، لكن واقع اليأس الذي وجدته سارع به إلى التطرف، وأعلن صديق يكن عن تخوفه بأن مصيره سوف يكون مثل مصير يكن.