تغلِق محلات بيع المنتجات الفاخرة ذات العلامات التجارية العالمية أبوابها عند الأذان لصلاة الظهر بمجمع الفيصلية التجاري وسط الرياض، ويمتلئ مسجد المجمع التجاري. يتم تفتيش الداخلين روتينياً، تجلس امرأة مُنقبة بعباءةٍ سوداء وقفازات بيضاء بجانب آلة كشف المعادن. في المقاهي والمطاعم، توجد أقسام مشتركة للعائلات لضمان الخصوصية. بينما محلات "هارفي نيكولاس" تطرح تنزيلاتها في عطلة نهاية الأسبوع.
تبدو التجارة راكدة، رغم أن الزائرين ينظرون بلا جدوى إلى أيّ مؤشر حقيقي للأزمة الاقتصادية السعودية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط لأقل مستوياتها منذ عقود وتخفيض الدعم الحكومي لمواجهة عجز قيمته 98 مليار دولار في الموازنة، أي 15%من إجمالي الناتج المحلي. ارتفع سعر البترول لتوّه بمقدار 60%، لكنه مازال برخص التراب، كما تم التخطيط لتحصيل الضريبة المضافة وضرائب أخرى، وهذه كلها مستجدات هامة في بلد لم يكن معظم سكانه على علم بمثل هذه الأشياء طوال حياتهم، وذلك بحسب تقرير نشرته الغارديان البريطانية.
ضحك تامر، الذي فقد وظيفته في شركة مقاولات سعودية وهو يعمل الآن سمساراً في دبي، قائلاً "لا توجد هنا ضغوطاتٌ اقتصادية كثيرة لأننا نتعامل مع أناس أغنياء". عدا قاعات الفيصلية الرخامية، توقفت الكثير من المشاريع الحكومية، تم خفض الإنفاق وارتفعت الإيجارات بشدة. كما أن نقص المسكن من الشواغل الرئيسية.
قلقٌ من وقف الدعم الحكومي
خالد، سائق تاكسي يبحث عن زبون في مطار الرياض الدولي، يؤمّن راحة أسرته معتمداً على راتبٍ تقاعدي من الجيش، ولكنه قلق بشأن ما سيحدث عند وقف الدعم الحكومي خلال خمس سنوات. محمد، خمسيني من المدينة المنورة ولديه عشرة أبناء، لديه وظيفة حكومية سهلة، وتعمل زوجته أيضاً جاهدةً لتغطية نفقاتهم. يقول "انظر، توجد حرب في اليمن، وبالتأكيد تلك الحرب تسبب مشكلات اقتصادية، ولكنها ليست بذلك السوء."
إلا أنها بالنسبة للبعض سيئة بالفعل. على بعد أميال قليلة من وسط المدينة، يحتشد الأطفال والأمهات في الخارج فوق النار التي أوقدوها لتوفير الكهرباء والتخلص من برد ليالي الشتاء. لا يختلف هذا عن حال السعوديين الفقراء ذوي التعليم والمؤهلات السيئة التي لا تؤهلهم للمنافسة مع العمال الأجانب. يعيش أعداد ليست بقليلة من السعوديين فقراء، ويشكّل هذا تحدياً للأفكار الرائجة عن المملكة الغنية بالنفط، مثلما يهدد آفاق الإصلاح المستقبلي.
وفي السنة الأخيرة شهدت أسعار النفط انخفاضاً إلى أقل من 35 دولاراً للبرميل، وحتى إذا استعاد النفط قيمته على المدى البعيد، فإن الطلب عليه لم يعد كالسابق. يُعد ارتفاع إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة من العوامل الرئيسية. دخول إيران مرة أخرى إلى السوق بعد رفع الحظر عنها سوف يزيد من الفائض الموجود أصلاً. ويبدو أن محمداً على صواب، فالحرب في اليمن كلفت البلاد مليارات الدولارات ولا تبدو نهايتها قريبة.
يقول هشام الهيجلان، المدير التنفيذي لإحدى شركات الطاقة الشمسية "كان مقبولاً إنفاق الأموال على مشكلة حين كانت الأموال كثيرة، ولكن عندما تضطرّ لحساب القروش، فهذا يعني أن القرش يعني شيئاً إذاً".
التقشف يعني أن يفرغ الأغنياء حمامات السباحة الخاصة بهم من المياه، استبدال سياراتهم ذات الدفع الرباعي- التي تستهلك كميات كبيرة من الوقود- بأخرى صديقة للبيئة تستهلك وقوداً أقل.
ولي ولي العهد يقود التغيير
يقودُ التغييرَ نجل الملك الطموح والقويّ، الأمير ولي ولي العهد ووزير الدفاع، محمد بن سلمان. الفكرة هي رفع الأرباح غير النفطية بدون إعاقة التنافسية والتسبب في اضطرابات. يقول جون سفاكياناكيس، وهو اقتصادي يوناني يعمل مستشاراً لدى الحكومة السعودية "اعتاد الجميع على قول أن الدعم الحكومي هو من المحرمات السياسية، وأن رفع سعر المياه أو البنزين أو الكهرباء قد يؤدي إلى غضب. الحقيقة أن الناس لم يخرجوا إلى الشوارع، ولكن هذا لا يعني أن الحكومة سوف تكون راضية وتنسى المواطن متوسّط الدخل".
بعد سنوات من الإسراف في الإنفاق، تحمل موازنة 2016 طابعَ طموح بن سلمان للابتكار. توجد أيضاً شفافية نادرة تضم الإفصاح عن الميزانية العسكرية والأمنية تستهلك 25% من إجمالي الإنفاق. ويكثر الحديث عن تحسين في إدارة الحُكم واستخدام مؤشرات الأداء الرئيسية لتقييم استراتيجية على مدى سنوات كما هو مستخدم في دبي وأبوظبي. يتحرك الوزراء بسرعة غير معتادة، مثيرين نكاتٍ ساخرة عن أسلوب إدارة أكثر نشاطاً.
وتلك الأنباء بشأن بيع عملاق النفط السعودي "أرامكو" تبرز حجم الجهود التي تشمل زيادة نشاط القطاع الخاص في مجالات الصحة والتعليم. يجري الحديث الآن عن الخصخصة، فمساحات شاسعة من الأراضي قد تُعرض للبيع، فضلاً عن الثروات المعدنية المربحة غير المستغلة. يسلَّط الضوء أيضاً على التصدي للفساد وخلق فرص عمل.
ليس أيٌّ من تلك الأفكار بجديد، فقد تمت مناقشة إصلاح الدعم الحكومي لسنوات، وضريبة القيمة المضافة كانت قد ظهرت عام 2012، ولكن الملك عبد الله الذي كان عهده لا يزال يجني عوائد النفط الضخمة، عارض فرضها.
الضرائب وخفض الدعم
والآن سيتمّ تطبيق ضريبة المبيعات باتفاق مع الدول الخمس الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي. وكذا الضريبة على المشروبات الغازية والتي قد تساعد في معالجة مشكلة السمنة في البلاد.
المزيد من خفض الدعم يبدو أكيداً. والتفاصيل الرئيسية في هذا الشأن من المتوقع أن تظهر ضمن "خطة التحول الوطنية" التي وُضِعت بمساعدة شركة ماكينزي وغيرها من الجهات الاستشارية البارزة.
يقول سفاكيناكيس "مع بعض التعديلات الطفيفة؛ سيكون بإمكانهم فعل الكثير لزيادة الإيرادات من المصادر غير النفطية، واستخدامها في الاستثمار ودفع الرواتب، فهم لا يمكنهم أن يسمحوا لأنفسهم بالاعتقاد أن يوماً ما سيرتفع سعر النفط مجدّداً، وأن اقتصاد السعودية سوف يستعيد عافيته. إنهم لا يرغبون في أن يدعوا الحظ يقرّر مستقبلهم".
السعوديون يعرفون الحقيقة المعروفة القائلة إن الإصلاح الاقتصادي ستكون له عواقب. فيقول المؤرخ، محمد آل زلفى، وهو أحد المخضرمين بمجلس الشورى "سيتوقع الناس شيئاً ما في المقابل، فالحكومة تأخذ كلَّ عائدات النفط، كما أن هناك إنفاقاً حكومياً ضخماً؛ ولكن إن ذهبت أرامكو إلى القطاع الخاص وقامت الحكومة بفرض الضرائب، فسيسأل الناس: وماذا استفدنا؟"
وتابع "إذا أقرَّ الملك أن لمجلس الشورى السلطة لاستجواب الوزراء أو التحقق من الميزانية، فربما ستكون الأمور مختلفة؛ ولكن مع الأسف، فإن مجتمعنا ليس مستعداً للقيام بذلك. التعليم السعودي لا يشجع على الحقّ في المشاركة. نحن في حاجة إلى المزيد من الوقت".
تغييرٌ بطيء
ويبدو أن الرأي القائل بأن التغيير يحتاج لأن يأتي على نحو بطيء وحذر يتم تداوله على نحو كبير. "لا أحد يتحدّث عن ضريبة الدخل، لذا فإن معادلة التمثيل الضريبي غير قابلة للتطبيق في الحالة السعودية، وكلمة (تمثيل) لها معنىً مغاير هنا"، هكذا يقول سعود تمامي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود.
فإذا كانت ثمة مشاركة عامة أكبر في صنع القرار، فمن المرجّح أن تكون تدريجية. هذا الرأي تتفق معه هيفاء الحبيبي، المهندسة المعمارية من الرياض والمرشحة في انتخابات البلدية التي جرت أخيراً، حيث سُمح للنساء بالتصويت لأول مرة في السعودية. الإخفاق في الحصول على مقعد بالمجلس لم يردعها، وهي بالفعل تطالب بالمزيد من مساءلة المجلس المحلي في منطقتها.
وتقول هيفاء "الناس أنانيون في المملكة العربية السعودية والخليج، فكل الكلام يدور حول الذي سيحصل عليه الناس من الحكومة. نعامل الحكومة وكأنها الأب المُلزم برعايتنا. يقوم الأمير محمد بما قامت به تاتشير في بريطانيا، وهذا جزءٌ من الحل، على الرغم من أن المشكلة ليست اقتصادية فحسب؛ بل سياسية أيضاً".
الحدُّ الأقصى المرجّح هو التدرّج البطىء نحو مشاركة سياسية محدودة بدلاً من أي "تغيير كبير" بحسب وصف أحد الخبراء الأكاديميين.
"لماذا تريد التمثيل إذا كان لديك مستوى جيد من المعيشة، والحكومة تستجيب لطلباتك؟" هكذا يسأل الهيجيلان، ويضيف "إن كنا ديمقراطيين فلا أعتقد أني سأعيش هنا، لأن المتشددين سيحكمون في هذه الحالة. انظروا حولنا في البلدان التي كانت ذات نظم ديكتاتورية وحاولت التحوُّل للديمقراطية، إنها الآن خراب. فهذا ما كان عليه الربيع العربي، وهذا ما ستكون عليه السعودية".