"ابني ضحية الفساد والتهميش والوعود الجوفاء، ولولا الفساد لما شطب اسم ابني ولكان لا يزال حياً". بهذه الكلمات يلخص عثمان اليحياوي، الجمعة 22 يناير/كانون الثاني 2016، الوضع الذي يواجهه الشباب بعد أن أشعلت وفاة ابنه خلال تظاهرة في القصرين (وسط البلاد) موجة من الاحتجاجات الاجتماعية في تونس، فيما فرضت السلطات حظراً للتجوال في جميع المدن التونسية.
وزارة الداخلية التونسية قالت إن "كل مخالفة لهذا القرار يتعرض مرتكبها إلى التبعات القانونية اللازمة فيما عدا الحالات الصحية والمستعجلة وأصحاب العمل الليلي".
و"كأننا لم نغادر أواخر سنة 2010 وأوائل سنة 2011″، كان هذا هو عنوان صحيفة "الشروق" الجزائرية واصفة ما يجري في البلاد من احتجاجات ببداية الربيع التونسي من مدينة سيدي بوزيد التي أشعلها مقتل الشاب بوعزيزي ولكنها هذه المرة من مدينة القصرين بعد مقتل رضا اليحياوي.
بوعزيزي الجديد
ورضا اليحياوي (28 عاماً) توفي عندما أصيب بصعقة كهربائية السبت الماضي، بعد أن تسلق عمود كهرباء أثناء الاحتجاج مع آخرين على سحب اسمه من قائمة التشغيل في القطاع العام.
وبعد يومين من الاحتجاجات في القصرين، المنطقة الفقيرة في وسط تونس، حيث تستشري البطالة، انتقلت الاحتجاجات على التهميش إلى ولايات أخرى.
وتمت إقالة مسؤول كبير في القصرين بعد وفاة رضا وفتح تحقيق حول مسببات تعديل قائمة التشغيل.
الفساد والواسطة
لكن عثمان اليحياوي لديه إجابة بسيطة على الأمر. يقول الأب البالغ من العمر 65 عاماً بصوت يخنقه الغضب: "لولا الفساد لما شُطب اسم ابني ولكان لا يزال حياً. طالما أنهم بحاجة لواسطة للحصول على وظيفة سيموت شباب آخرون مثله".
ففي يوم السبت "الأسود" كما يقول، كان رضا الحامل لدبلوم مهني في الكهرباء يسعى لمقابلة المحافظ لفهم لماذا حُرم من فرصة العمل. لكن تم تجاهل طلبه، وهذا ما أدى إلى وفاته برأي والده، الذي يسكن في حي الكرمة الفقير بالمدينة التي يعيش بها أكثر من 80 ألف نسمة والقريبة من الحدود مع الجزائر.
مستعد للتضحية بغيره
وقال عثمان، وهو أب لستة أولاد وابنتين آخرين: "إذا لم أحصل على حق ابني فأنا مستعد للتضحية بغيره"، مطالباً بتعويض مالي عن وفاة رضا وبأن تعترف السلطات به "شهيداً" مثل 338 من ضحايا الإرهاب وضحايا القمع الدامي للانتفاضة التي جرت نهاية 2010 ضد نظام زين العابدين بن علي.
ومنذ السبت الماضي، يشارك عثمان اليحياوي مع مئات آخرين في الاحتجاجات اليومية أمام مقر الولاية وسط انتشار أمني كثيف.
الانتحار أو المخدرات أو الإرهاب
وبالمثل، يقول محرز اليحياوي، البالغ من العمر 36 عاماً، إن "إهمال الدولة لهذه المنطقة المهمشة منذ عشرات السنين" هو السبب في موت أخيه.
ويضيف الشاب الباحث عن عمل أن "الوضع الاجتماعي شديد الصعوبة"، موضحاً أن السلطات "تدفع الشباب الفقير إلى التوجه نحو الاتجار بالمخدرات أو الإرهاب"، بعد أن التحق آلاف التونسيين بصفوف التنظيمات الجهادية مثل تنظيم "الدولة الإسلامية" في سوريا والعراق وليبيا المجاورة.
ويشاركه الرأي الكثير من شباب القصرين، حيث يرتسم الفقر على كل شيء فيها من الطرق المهملة إلى الأحياء المكتظة والمساكن المتهالكة.
السير خلف الشيطان
ويقول إبراهيم البالغ من العمر 24 عاماً وينتعل حذاءً مهترئاً: "نحن هدف سهل للتنظيمات الإرهابية. نحن في حالة من التشاؤم والقرف واليأس، بحيث إننا يمكن أن نسير خلف الشيطان للخروج من هذا البؤس".
وتقول الخريجة الجامعية فوزية الرتيبي: "نحن نعاني الكثير من الظلم، ولم تعد بنا طاقة للاحتمال. لقد طفح الكيل". وتضيف الشابة التي تعاني من البطالة منذ 3 سنوات أنها مستعدة للعمل مقابل 200 دينار في الشهر (90 يورو)؛ حتى تتمكن من شراء الدواء لأمها المريضة.
"سياسيونا لم يفهموا شيئاً"
وأمام هذا المشهد المتكرر بعد 5 سنوات من إحراق البائع المتجول محمد البوعزيزي نفسه في سيدي بوزيد وانطلاق الثورة على النظام، يقول سليم البالغ من العمر 27 عاماً، وقد غطى نصف وجهه بمنديل، إن هذا دليل على أن "سياسيينا لم يفهموا شيئاً".
ويضيف وهو يشارك مع عشرات آخرين في قطع الشارع الرئيسي في المدينة بالإطارات المشتعلة: "أعتقد أن الوقت حان لكي نجعلهم يفهمون ولكي يرحلوا".
"عمل، حرية، كرامة وطنية" يردد المحتجون مستعيدين شعارات الثورة التي أطاحت بحكم زين العابدين بن علي الذي تولى السلطة بلا منازع طيلة 23 عاماً.