تويوتا تداوي علل الطب

عند النظر إلى وضع القطاع الصحي، نجد أنه يعاني نفس المشاكل التي تعانيها الصناعة، فالوقت المهدور في الانتظار سواء من قبل المريض أو الطبيب هائل، كما يعاني القطاع العديد من الحركات التي لا تشكل قيمه مضافة للعملية العلاجية، أما إدارة المخزون فهي مشكلة كبيرة سواء في حالة نقصانها أو زيادتها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/22 الساعة 03:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/22 الساعة 03:37 بتوقيت غرينتش

على رسلكم، فلستُ بصدد عمل دعاية مجانية لعملاقة صناعة السيارات، ولست مؤهلاً للقيام بهذا الدور، إذاً ما الرابط العجيب بين صناعة السيارات والطب؟

في الوقت الذي يتوالى فيه تضخم كلفة الرعاية الصحية، لدرجة أصبحت معها كبريات الدول الصناعية عاجزة عن الاستمرار في الإنفاق على الصحة، وفي ظل الشعور العام لدى معظم الباحثين بعدم كفاءة الأنظمة الصحية المتبعة واستحالة استدامتها، بدأ العديد من المهتمين في البحث عن حلول خارج الصندوق التقليدي، فقد أظهرت دراسة نشرت مؤخرا أن نسبة الفاقد في العملية العلاجية والرعاية الصحية قد تصل إلى 50%.

من هنا جاءت الفكرة بالاستفادة من تجارب صناعة السيارات "تويوتا بالتحديد" لمحاولة فهم ما الذي جعل هذه الشركة تنجح بإنتاج سيارات ذات جودة عالية بسعر معقول نسبياً أهلها للظفر بحصة الأسد في الأسواق العالمية رغم شراسة المنافسة.

بدأت العديد من المستشفيات في الغرب بإرسال مدراء وخبراء من طرفها لملاحظة العملية الإنتاجية في "تويوتا" والبحث عن نقاط مشتركة يمكن تطبيقها لتحسين الجودة وخفض الكلفة في المستشفيات.

ترتكزعملية الإنتاج في "تويوتا" على ركيزتين أساستين، أولاهما أن عملية التحسين هي عملية مستمرة ومتواصلة وليست موسمية كما هو واقع الحال في القطاعات الأخرى، وثانيهما احترام الإنسان "العامل" والاهتمام برفاهيته، أما قلب هذه العملية فهو العمل على وقف الهدر في مراحل الإنتاج المختلفة.

لقد قامت الشركة بقلب الهرم التقليدي في عمليات التحسين المستمر للجودة، فكل مبادرة تحسين تبدأ بالفهم العميق للمستهلك وماهية الأمور التي تشكل قيمة مضافة لديه، ويتم تطبيق هذه المبادرات على مستوى العمال في الخط الأمامي "خط الإنتاج"، فهذه المبادرات لا تتم بتعليمات من أعلى ولا بسياسات جامدة، فكل عامل مهما كان ترتيبه في الهرم المؤسسي يمكن له (بل هو مطالب) بأن يقترح مبادرات لتحسين الجودة، فالعملية الإنتاجية لديهم هي عبارة عن سلسلة من التجارب اليومية، فقد حوّلوا العملية الإنتاجية من عملية روتينية ميكانيكية إلى تلك التي ترتكز على التجارب والتعلم اليوميين.

كما انتبهت الشركة مبكراً إلى أهمية تقليل الفاقد في العملية الإنتاجية، هذا الفاقد الذي قد يكون على شكل إفراط في الإنتاج أو طول الانتظار بين المحطات المختلفة أو حركات غير ضرورية لا تؤدي إلى نفع أو سوء إدارة للمخزون زيادةً أو نقصاناً. فخط الإنتاج في تويوتا عملية محددة بدقة تتبع خطًّا بيانيًّا انسيابيًّا محدد البداية والنهاية ومعروف الخطوات والفترات بينهما، بحيث يمكن للمراقب ملاحظة أي فرصة للتحسين أو وقف الهدر.

عند النظر إلى وضع القطاع الصحي، نجد أنه يعاني نفس المشاكل التي تعانيها الصناعة، فالوقت المهدور في الانتظار سواء من قبل المريض أو الطبيب هائل، كما يعاني القطاع العديد من الحركات التي لا تشكل قيمه مضافة للعملية العلاجية، أما إدارة المخزون فهي مشكلة كبيرة سواء في حالة نقصانها أو زيادتها.
ففي عملياتنا العلاجية اليومية هنالك العديد من الأنشطة التي يمكن تمثيلها بيانيًّا، وبالتالي إيجاد فرص للتحسين بطريقة مشابهة تماما لخطوط الإنتاج في تويوتا.

حقيقة لقد سبقت العديد من الصناعات الطب في الاستفادة من تجربة "تويوتا" سواء صناعة النقل الجوي أو التعدين أو حتى المؤسسات المالية والمصرفية وحققت نتائج لافتة.

أما في القطاع الصحي، فالنتائج الأولية للمستشفيات التي طبقت أنظمة "تويوتا" في عملياتها، فهي مشجعة، فهنالك نتائج مبشرة سواء بالتقليل من نسب العدوى في المستشفيات أو التقليل من الأخطاء الطبية، أو التقليل من فترة انتظار المريض في مرافق المستشفى المختلفة أو في في إدارة المخزون إدارة أكثر فعالية.

نعم للطب خصوصية التعامل مع الحياة البشرية، وخصوصية كونه مهنة إنسانية، لكن بدون التعلم من تجارب القطاعات الأخرى التي قطعت أشواطًا كبيرة في تحسين الجودة وخفض الكلفة، ومن دون الأخذ بالاعتبار حاجة المستهلك (المريض، والجهات المؤمنة، والمشرعون..) فلن نستطيع وقف الهدر الهائل في هذا القطاع ولا أن نحقق قفزات في جودة المنتج.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد