بكيت عندما طبخت آخر حبّة أرز لأبنائي.. أم سورية تستجير: داعش يحاصرنا والنظام يبتزّنا بدير الزور

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/21 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/21 الساعة 08:25 بتوقيت غرينتش

"داعش يحاصرنا والنظام يبتزّنا" و"بكيت عندما استخدمت آخر كمية من الأرز" و"نادمة لأني لم أحمل أطفالي وأهرب من هذا البلد الملعون" هذا هو حال "أم علي" السورية المحاصرة في دير الزور، والذي لا يختلف عن حال ما يقرب من 300 ألف محاصر معظمهم من الأطفال والنساء وكبار السن.

وبحلول يناير/ كانون الثاني 2016، أتمّت مدينة دير الزور السورية عامها الأوّل مع الحصار، والطوق المفروض حول المدينة من قبل عناصر "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) من جهة وتحكّم قوات النظام بمطار المدينة ومتاجرتهم بالمساعدات والمواد الغذائية الداخلة عن طريقه من جهة أخرى ما فاقم من حالة الأهالي وأوضاعهم المتردية ناهيك عن المعارك والاشتباكات شبه اليومية.

أحياء المدينة المحاصرة يسكنها حوالي 300 ألف مدني بحسب مركز الحرية والعدالة لدير الزور ومعظمهم من النساء والأطفال، وتشكّل نسبة النازحين منهم 70% جلهم يعيش أوضاعاً مأساوية نتيجة ندرة وارتفاع أسعار المواد الغذائية إضافة إلى سوء وسائل الاتصال والانقطاع الدائم للماء والتيار الكهربائي.

"عربي بوست" تحدّثت إلى الأهالي المحاصرين عن أزمتهم الإنسانية التي يعلم بها الجميع دون أن يحرّك ساكناً فيما قامت الصحيفة باستبدال أسماء شهود العيان بناءً على طلبهم وحرصاً على سلامتهم".

أغلى مدن العالم

"نطحن بقايا الخبز اليابس ونضيف له بعض النعناع والقليل من الملح والبهارات ونأكله بالخبز والماء، مع "الدقّة" وهو شيء يشبه الزعتر" يقول عادل: "بصراحة لقد نسيت طعم الزعتر، الخبز الطري لا يتوفر بشكلٍ دائم أيضاً، لكن ببعض الجهد وبالكثير من المال يمكنك تأمينه".

بهذا يصف عادل 36 عاماً وجبته الوحيدة التي يتناولها وأطفاله وبشكل شبه يومي، "فنحن نعيش في دير الزور أغلى مدن العالم" على حدّ قوله.

يقطن عادل في حي القصور المحاصر منذ عام كامل إضافةً إلى عدّة أحياء أخرى كالجورة وهرابش والبغيلية، في كانون الثاني /يناير 2015 أطبق "تنظيم الدولة الإسلامية" (داعش) حصاره على الأحياء الخاضعة أساساً لسيطرة قوّات النظام السوري يتابع عادل، الحصار كان بداية المعاناة التي فاقمتها يوماً بعد يوم حدّةُ المعارك المستمرة.

"لا توجد إحصاءات دقيقة حتى الآن" يوضّح عادل "لكننا اليوم نزيد عن 200 ألف مدني هنا، تنظيم داعش يحاول دخول مناطقنا بشكل شبه يومي، ويقصفنا بشكل مستمر، والنظام يمتلك المنفذ الوحيد لدخول الطعام، أقصد المطار".

عادل وهو أبٌ لأربعة أطفال يبلغ عمر أكبرهم 8 سنوات نزح إلى حي القصور بعد أن دمرت الاشتباكات حي الموظفين الذي كان يقطنه منذ عامين ويختم بقوله "النظام يمنعنا من الخروج ويتحكم عن طريق تجّاره بأسعار المواد الغذائية على قلّتها، الانقطاع الدائم للكهرباء والماء وسوء الاتصالات فاقمت الأوضاع أيضاً".

بكيت عندما استخدمت آخر كميّة من الأرز!

"المال هو مفتاح النجاة، من لا يملكه سيموت جوعاً" تقول أم علي لـ "عربي بوست"، فالمواد الغذائية أصبحت تشبه بورصة مجنونة، التجّار استغلوا كل شيء، حتى الماء الصالح للشرب أصبح مكلفاً جداً.

حال أم علي كغيرها من المحاصرين في أحياء المدينة، وتقول "لا زراعة ولا مواشي هنا، التجّار هم الطريق الوحيد لتأمين الغذاء، هم أبناء دير الزور أيضاً، بعضهم يحمل اسم نفس العائلة التي أحملها، لكن هذا لا يمنعهم من استغلالنا".

عندما بدأ الحصار حاولت أم علي تأمين عائلتها، فباعت الذهب الذي تملكه ومعظم الأدوات المنزلية الكهربائية واشترت بثمنها طعاماً، حالها حال الكثيرات هنا.

الحصار الذي طال جعلها تبكي كثيراً. عندما استخدمت آخر كمية لدي من الأرز، "كان ذلك بعد مضي تسعة أشهر على الحصار" تقول أم علي "لم تكن الكمية كبيرة، كانت لا تتعدى الربع كيلو غرام، لكنها شكّلت كل مخزوني الاستراتيجي المتبقي للأزمات، رضخت لصرخات أطفالي الجياع حينها، وأذكر تماماً أني لم أتذوقها حتى، كان هدفي أن يأكلوها كلها، لأني لم أكن أعلم بالضبط متى ستسنح لهم فرصة الحصول على طعام جيد مرة أخرى".

وحول ما تقدمه أم علي لأطفالها تقول: لا شيء محدد، في الصيف زرعت حول منزلي البقدونس والجزر، وكانا مع الخبز يشكلان معظم وجباتنا، حاولت زراعة البطاطا أيضاً لكني لم أنجح، أما الآن في الشتاء فلا أمل لنا إلا بما يقدمه أهل الخير، يمكننا الحصول على خبز قابل للأكل مرة كل أسبوع، ونحتفل في اليوم الذي تدخل فيه علبة سردين عتبة بيتنا، بضع لقيمات يومياً كافية لتبقينا على قيد الحياة فقط على قيد الحياة دون أي شعور آخر".

"أنا نادمة" كلمتان لخصت بهما أم علي حالها فهي "نادمة لأني لم أحمل أطفالي وأهرب من هذا البلد الملعون، قبل الحصار أخبرتهم أن سقف بيتهم هو من سيحميهم، وأن مدينة الخير ستبقى بخير، الآن لا أستطيع النظر في أعينهم، البقاء هنا كرامة لكن الجوع كافر".

لأم علي ثلاثة أطفال أكبرهم 14 عاماً وأصغرهم 9 سنوات، فقدت زوجها وأخويها منذ 3 أعوام خلال المعارك التي دارت للسيطرة على المدينة.

داعش يحاصرنا والنظام يبتزّنا!

أما ثائر 29 عاماً فقد قال لـ"عربي بوست" نحن تماماً نقف بين فكّي كمّاشة، داعش يحاصرنا والنظام يبتزنا، منفذ هربنا الوحيد هو المطار، والخروج يحتاج لموافقة أمنية باتت تكلّف مئات الألوف، سمعنا عن أرقام تخطت المليون، قوات النظام تستخدمنا هنا كدروع بشرية في مواجهة التنظيم، بالتأكيد هم يملكون فرصة الهرب في حال تقدمت قوات داعش ضمن أحيائنا، سيركبون طائراتهم ويتركوننا للسكاكين، كان بإمكان النظام إخلاء الأحياء الواقعة تحت سيطرته من المدنيين، أو حتى تأمين احتياجاتنا لنبقى على قيد الحياة في أقل تقدير، لكننا أصبحنا باب رزق لضباطه وتجاره".

" نحن هنا بانتظار الموت" يقول ثائر، "لا شيء آخر، حصارنا وهمي، المدينة تملك مطاراً يستقبل طائرات بشكل شبه يومي، لو أراد النظام تقديم الدعم للمحاصرين لاستطاع بسهولة".

أما المساعدات التي ألقتها القوات الروسية عبر المظلات يصفها ثائر أنها "نكتة، تمثيلية لا أكثر، بضع حاويات أنزلت عن طريق المظلات كانت فقط لخلق صورة إنسانية للقوات الروسية، كانوا ببساطة يستطيعون الهبوط هنا وتقديم كميات أكبر من الطعام، لكنها ببساطة كانت مظلات للتصوير والإعلام".

تحميل المزيد