دقيقتا كراهية ؟

أربع دقائق فقط، كلمات قليلة، كافية لتحدث فرقا كبيرا في نفوسنا، لِمَ لا، أليست الطبيعة تعبر عن ذاتها، مطر السماء واكتمال القمر وغضب الشمس، أليست الطبيعة حب وكراهية؟ ونحن أبناء هذه الطبيعة أولى بشعاب مشاعرها.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/19 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/19 الساعة 04:20 بتوقيت غرينتش

في رواية 1984 للكاتب البريطاني جورج أورويل كان أبطال الرواية يجتمعون لممارسة طقوس "دقيقتي كراهية". حين كانت تظهر على شاشة الرصد صورة (غولدشتاين) الخائن الذي تمرد على الحزب ويعمل بأمر أسياده الأجانب ويقدمون له التمويل اللازم لتمرده.

حينها كانت تبدأ ممارسة "دقيقتي الكراهية"، تحديدا حين يبدأ بإلقاء خطابه ضد مبادئ الحزب الحاكم، تتعالى أصوات السيدات بالصراخ، سيل شتائم، دعوات، غضب، وكالعدوى تنتقل هذه الحالة إلى كل من حضر، لا يقاوم من يرى هذا المشهد، لا بد أن يكون جزءاً منه، دون إرادة، كنشوة الانتقام والنصر، يمارس الكراهية.

لم يكن يسمعهم بالتأكيد، ولكنهم مارسوا حرية التعبير عن كراهيتهم لخائن الوطن.

جدتي كانت تمارس "دقيقتي الكراهية " أيضاً، بل أكثر من دقيقتين، أثناء الانتفاضة الثانية مع كل نشرة أخبار، كلما ظهر (شارون) على الشاشة، كانت تبدأ بالشتائم والدعوات، وكلما طالت نشرة الأخبار، وكلما زادت مشاهد الدمار، كانت جدتي تقترب أكثر من الشاشة ويرتفع صوتها.وتقترب أكثر كلما ظهرت صورة (شارون)، هل كانت تعتقد حقاً أنه يسمعها أو ربما يهابها؟

كنا نجتمع أمام الشاشة لمعرفة ما هو جديد الانتفاضة، كم شهيد، كم جريح، كم أسير، ورغم قلقنا ودهشتنا، لم نكن نسمع سوى صوت جدتي ومدافع شتائمها ضد شارون، و كانت تنتقل لنا العدوى أيضا إنما بصمت، فمن يرى ما يحدث عبر الشاشة ويسمع جدتي لا يملك إلا أن يفعل مثلها.

في علم النفس، المشاعر سلبية كانت أم إيجابية لاتختفي؛ بل هي وزن ثقيل على كاهل عواطفنا، وعليك أن تحمي نفسك منها، وتقيها من عوارض أزمات نفسية، حتى وإن كتبتها على ورقة وأهديتها للريح، لا تكتبها، بل قلها، ولا تخف من ردة فعل الآخر فهو أيضا لديه ما يقوله لك، تكفيك دقائق لتعبر فيها عن نفسك، اعقد هدنة مع الصمت، وتحرّر…

هل هناك أخطر من مرض الصمت؟
ليكن لك لقاء يومي مع البوح

"دقيقتا كراهية" كل يوم، صارح من أزعجك بكلمة أو موقف، واطوِ تلك الصفحة بعدها، و دَع ذاكرتك تتخلى عنه وبعدها "دقيقتا حب"، قل لمن تحب كم تحبه ولماذا، بتلقائية وابتسامة عاشق.

أربع دقائق فقط، كلمات قليلة، كافية لتحدث فرقا كبيرا في نفوسنا، لِمَ لا، أليست الطبيعة تعبر عن ذاتها، مطر السماء واكتمال القمر وغضب الشمس، أليست الطبيعة حب وكراهية؟ ونحن أبناء هذه الطبيعة أولى بشعاب مشاعرها.

و إذا لم نستطع، فقد صدق مارك توين حين قال: " لقد منّ الله علينا بثلاث: حرية التعبير وحرية التفكير والمقدرة على عدم تطبيق أي منهما"!

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد