واجه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الكثير من الانتقادات بعد قيامه بالإعلان عن تقديم 20 مليون جنيه إسترليني كتمويل لتحسين مهارات اللغة الإنكليزية للمسلمات المقيمات في بريطانيا، حيث تم تفسير حديثه بأنه خلط بين الجهل باللغة الإنكليزية والتطرف.
قابل الكثير من المسلمين هذه المبادرة بترحيب شديد وتشجيع لرؤية كاميرون التي تدعم تمكين وتعليم المرأة، إلا أنهم رأوا أنه ينبغي على الحكومات الحذر من الخلط بين المفهومين عندما تتحدث بشأن التطرف.
قلة متطرفة وأغلبية ترفض الإرهاب
محمد شفيق، المدير التنفيذي لمؤسسة رمضان، يقول إن هناك 3 ملايين مسلم في بريطانيا، وإن رئيس وزرائها لا يركز سوى على قلة متطرفة، في حين أن أغلب المسلمين في بريطانيا يرفضون الإرهاب بشكل قاطع.
وقال شفيق: "لقد أعلنت مؤسستنا بشكل واضح منذ سنوات أننا نواجه خطر الإرهاب وازدياد ثقافة الكراهية، وأن السبيل الأفضل لمواجهة هذا الأمر هو بناء جسور الثقة مع المسلمين ودعمهم، وليس بالهجوم عليه وتشويه سمعتهم".
المسلمون يدرسون القرار
عقب إعلان كاميرون عن قرار تمويل تعليم النساء للغة الإنكليزية، طرحت الكثير من المناقشات بين المسلمين حول الآثار الإيجابية والسلبية لهذا الأمر.
كاميرون كان قد صرح بأنه يرى رابطًا وثيقًا بين جهل وعزلة الأمهات وبين وجود المتطرفين الإسلاميين، وقرر أنه ربما سيتوجب على بريطانيا ترحيل النساء غير القادرات على تحسين مهارات اللغة الإنكليزية أملًا في تقليل إنتاج "إرهابيين جدد"، بحسب وصفه.
الجانب الإيجابي في دعوة كاميرون، وفق ما رأته أطراف النقاش، هو أن تعلّم اللغة الإنكليزية بشكل جيد سيمنح المسلمات في بريطانيا الكثير من الفرص التي لا تتوافر لهن حاليًا، بالإضافة إلى إعطائهن الثقة بأنفسهن.
مؤيدات للقرار
زبيدة ليمبادا، مؤسسة ومديرة مركز Connect Justice للأبحاث، الذي يهدف بشكل أساسي إلى محاربة التطرف، قالت لهيئة الإذاعة البريطانية BBC إن الهدف الرئيسي لحملة كاميرون الأخيرة هو تمكين المرأة وإعطاؤها الفرصة لتكون جزءًا حقيقيًا ومؤثرًا، وأنها تدعم هذا القرار كسيدة، وترى أن هذا الأمر سيعود بالنفع على المجتمع بأسره وليس على المسلمات فقط.
وأضافت: "مشكلة العناوين الصحفية أنها ربطت بين القرار والتطرف، وهذا الأمر ليس صحيحًا على الإطلاق، حيث إن عملية الخلط تلك هي سوء فهم، فعلى سبيل المثال، لقد تم رصد 700 حالة من البريطانيين الذين انضموا لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ولا يوجد أي دليل يثبت أن معرفة أمهاتهم باللغة الإنكليزية كان سيؤثر على قرارهم بالانضمام للتنظيم من عدمه، أظن أنه لا توجد أي علاقة، وفي اعتقادي أن الحكومات بشكل عام لا تقدم حلولًا عملية لمواجهة التطرف".
الربط بين التطرف والجهل باللغة غير مقبول
أنجوم أنور، رئيسة منظمة Women's Voices الخيرية في بريطانيا، تؤيد وجهة النظر تلك، وتضيف أنها كانت تشعر بالقلق من الربط بين عدم التحدث بالإنكليزية وبين المتطرفين، حيث تقول: "كمعلمة، فأنا أؤيد بالتأكيد أي تمويل يذهب في اتجاه التعليم، لكن بالتأكيد يجب أن يحدث هذا الأمر دون أي خلط بين من لا يعرفن الإنكليزية وبين التطرف، هذا الربط غير مقبول على الإطلاق".
وتؤكد أن اهتمام رئيس الوزراء بهذا الجانب هو أمر رائع، وأنه ربما يأمل بأن يكون هذا الأمر عاملًا مساعدًا في مواجهة التطرف، إلا أن هذا لا يعني الربط بين الأمرين.
شعور بالإهانة
أحد الأسئلة الهامة أيضًا هو ما إذا كان المسلمون يشعرون بالتجريح أو الإهانة من بعض القرارات، أجابت أنور: "بالتأكيد، قد يكون أمراً مزعجاً بالنسبة للكثيرين وأنا منهم، وبالتأكيد هناك مشاكل كثيرة داخل كل المجتمعات، ويجب أن تمنح المرأة حق اتخاذ قرارتها وتقرير مصيرها".
وقالت: "في الحقيقة أنا كمسلمة كان أول شيء تعلمته من أمي أنني المصدر الرئيسي الذي سيتلقى منه أبنائي معلوماتهم وثقافتهم؛ لذا يجب أن أكون متعلمة. وأن أكون متعلمة لا يعني إتقاني اللغة الإنكليزية فحسب، بل أن أعرف كيف يمكنني أن أشارك في المجتمع من خلال تلك اللغة وأكون جزءًا منه".
المساجد ترحب ولكن تطلب التوضيح
أيدت أيضًا بعض المنظمات الإسلامية الأخرى في بريطانيا هذا القرار، حيث صرح شوجا شافي، السكرتير العام لمجلس مسلمي بريطانيا، بأن ديفيد كاميرون كان محقًا في قراره نشر تعليم اللغة الإنكليزية.
وأضاف أن المساجد ومنظمات المجتمع المدني الإسلامي ستسهم في هذا الأمر من خلال استضافتها دروس اللغة الإنكليزية، حيث تقوم بعض المساجد بهذا الأمر بالفعل، إلا أنه يرى أنه يتوجب على كاميرون توضيح وجهة نظره إن كان بالفعل يربط هذا الأمر بأمن البلاد وبالتطرف.
فياز موغال، مؤسس ومدير مؤسسة Faith Matters، على فائدة هذا القرار وعلى ما يقدمه من دعم ومساعدة للسيدات، خصوصًا المتقدمات في السن، وقال للنسخة البريطانية من "هافينغتون بوست": "أن يتحدث المسلمون نفس اللغة هو أمر أساسي لاندماجهم في المجتمع ولتمكينهم من الحصول على وظائف تضمن لهم دخلًا جيدًا يعطيهم الثقة بأنفسهم وقدراتهم، كما سيساعد هذا القرار المسلمات على فهم الأخطار المحتملة ويمكنهم من حماية عائلاتهم منها".
وأضاف: "على الجانب الآخر علينا الاعتراف أيضًا بأن الحصول على وظيفة جيدة لا يكون أمرًا سهلًا هنا بالنسبة للأقليات العرقية، والكثير من المسلمين هنا يشعرون بأنه من الصعب أن يحصلوا على وظيفة بسبب أسمائهم، حيث يتم في الغالب إعطاء الأولوية لمن لم يأتوا من مجتمعات إسلامية".
ويضيف موغال: "أعتقد أن مشكلة الجهل باللغة الإنكليزية تؤثر بشكل أكبر على النساء فوق سن الـ50 وعلى المهاجرين من بعض الدول كالصومال وباكستان وبنغلاديش؛ لذا فتعلم اللغة سيساعد على تقليل اعتماد هؤلاء على أطفالهم وسيعطيهن الكثير من الثقة بأنفسهن، وهو ما نرحب به جدًا".
لن يحل مشكلة التطرف
وأكد بقوله: "أعتقد أن هذا سيكون التأثير الأساسي لهذا القرار، وأنه من المبالغة أن نعتقد أن هذا الأمر سيسهم في حل مشكلة التطرف، إلا أنه سيكون عاملًا مساعدًا بشكل كبير في اندماج النساء في المجتمع والمشاركة الفعالة فيه، وهو ما ندعمه ونراه إيجابيًا".
ثم أكد موغال أنه لا يربط على الإطلاق بين عدم القدرة على تحدث الإنكليزية وبين أن يصبح الشخص متطرفًا، وأن هذا الأمر ما هو إلا فكرة سخيفة في حين يعتقد أن عدم القدرة على تحدث الإنكليزية لمن يعيشون في بريطانيا يعني عدم قدرتهم على الاندماج في المجتمع ويؤدي إلى مشكلة غياب الهوية، وربما يصبح هذا الشخص هدفًا أسهل للخطاب المتطرف.
وأضاف أن المرأة التي انتقلت إلى بريطانيا لتعيش مع زوجها سيتوجب عليها خوض عدة اختبارات بعد مضيّ عامين ونصف من إقامتها، وأن عدم القدرة على اجتياز الاختبارات سيعني أنه لا يمكن ضمان بقائها في بريطانيا حتى ولو كانت أماً.
ظلم مجتمعاً بأكمله
السياسي البريطاني والبرلماني الشهير آندي بورنهام، المنتمي لحزب العمل البريطاني، يرى أن قرار ديفيد كاميرون "ظلم مجتمعاً بأكمله"، حيث صرح بأن "رغبة ديفيد كاميرون في تصدر عناوين الصحف جعلته يتخذ بعض القرارات التي تضر أكثر مما تفيد، والنهج الذي يتخذه كاميرون لمواجهة التطرف هو نهج أخرق وبدائي، وقد ظلم بقرار مثل هذا مجتمعًا كاملًا، أعتقد أنه بما يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة التطرف وليس العكس".
سعيدة وارسي ترفض تهديد كاميرون
المحامية والسياسية البريطانية سعيدة وارسي (أول وزيرة مسلمة في بريطانيا) رحبت بإنفاق الحكومة المال لتعليم اللغة، كما تعتقد بأن قرار إلغاء تمويل تعليم اللغة أثناء وجودها في الحكومة كان قرارًا خاطئًا تمامًا، وفق ما نشرته رابطة الصحافة البريطانية PA.
في حين انتقدت سعيدة وارسي الطريقة التي تم إعلان القرارات بها، وأن الطريقة التي يتم بها تأطير مسلمي بريطانيا تنزع الجانب الإيجابي لقرار كهذا لدى الكثير من المسلمين.
ووفق تصريح لراديو هيئة الإذاعة البريطانية BBC قالت وارسي: "لقد أتى والداي إلى هذا البلد ولم يعرفا عن الإنكليزية سوى القليل، مازالت أمي لا تجيد الإنكليزية بشكل كامل على الرغم من أنها درست اللغة كثيرًا. ربما لم يكن أمرًا مهمًا بالنسبة لها أن تتأقلم مع الثقافة الغربية بشكل كامل، إلا أن قيمها وثقافتها مكنتها من إنجاب 5 سيدات وتعليمهن وتشجيعهن على المشاركة في المجتمع البريطاني؛ لذا أعتقد أن التعامل مع الأمور بهذا السطحية والحكم بهذه الطريقة لا يؤدي سوى إلى تقسيم المجتمع".
وأضافت وارسي: "ما يجب أن نقوله للنساء هو سنعطيكن فرصة للتعلم، وسنشجعكن وندعمكن، وأن هذا سيكون شرطًا لحصولكن على الجنسية البريطانية. لكن لغة التهديد والقول إن لم تستطعن الحصول على درجة كذا ستعدن من حيث أتيتن حتى ولو كان لديكن أطفال وزوج يحملون الجنسية البريطانية، بالنسبة لي هذه طريقة غير مقبولة لتشجيع أحدهم على القيام بشيء ما".
هذه المادة مترجمة من "هافينغتون بوست" بريطانيا.