تقرير إحصائي صادر من وزارة شؤون البلدية والقروية شكّل صدمة للمجتمع السعودي، بعدما كشف عن ارتفاع نسبة الوَفَيات بين الذكور لـ62% من مجموع الوفيات في السعودية، في حين لم تشكّل وفيات الإناث المسجلة لدى الوزارة سوى 38% من مجمل الوفيات، وهو ما يعني خطراً داهماً على مستقبل البلاد وزيادة العنوسة بشكل كبير.
وبحسب ما جاء في التقرير، فإن منطقة الرياض شهدت أعلى عدد في إجمالي الوفيات لدى الجنسين، تلتها مكة، فيما حلت جدة ثالثاً، في حين كانت الأحساء وحفر الباطن أقل المدن عدداً في الوفيات المسجلة لدى الأمانات خلال 2015.
التقرير أكد زيادة نسب وفيات الذكور في جميع المناطق السعودية، فيما شكلت منطقة حائل النسبة الأعلى لوفيات الذكور وهي 68.3%، تلتها أمانة منطقة الرياض، التي شكلت وفيات الذكور فيها 65% من الوفيات، مقابل 35% للإناث.
وجاءت الأحساء ثالثاً، حيث تجاوزت نسبة وفيات الذكور فيها 64% مقابل 36% للإناث، وشهدت كل من حفر الباطن، وجدة النسبة الأقل في وفيات الذكور بالنسبة للإناث، حيث لم تتجاوز في حفر الباطن 57.2%، مقابل 42.8% للإناث، وسجلت جدة 57.7% للذكور مقابل 42.3% للإناث.
الحوادث المرورية
المختصون الاجتماعيون قالوا إن السبب المباشر لارتفاع معدل الوَفَيات بين الذكور مقارنة بالإناث هو الحوادث المرورية بالدرجة الأولى، حيث تسببت الحوادث اليومية في وفاة 1225 شخصاً في السعودية خلال 2015، وذلك بحسب الإحصاءات المرورية.
وأشاروا أيضاً إلى عامل السلوكات الخاطئة التي ينتهجها الكثير من الذكور في المجتمع السعودي، كالتدخين الذي تسبب بدوره في قتل أكثر من 32 ألف شخص سنوياً بالسعودية.
"أسلوب حياة الرجل في المجتمع السعودي يختلف كثيراً عن حياة المرأة، فالرجل هو الطرف الأكثر احتكاكاً بما يدور من حوله"، بحسب ما تقول الأخصائية الاجتماعية حنان سليمان لـ"عربي بوست".
وتؤكد سليمان أن الكثير من الرجال يذهبون إلى العمل والجامعات والمدارس بشكل يومي، في حين تلزم الكثير من النساء السعوديات منازلهن لممارسة أدوار أخرى، خاصة عندما نتحدث عن حياة المرأة السعودية في مناطق تقل فيها مشاهد الحداثة كتلك التي تتصف بها المدن الكبيرة.
وأضافت أن "تلك الأسباب تجعل الرجال هم الأكثر عرضة لمسببات الوفاة".
إلا أن طلعت حسين، مدير مركز أسرتي للاستشارات الاجتماعية بجدة، لديه رأي آخر، حيث قال: "الرجل هو الأكثر عرضة للضغوط الاجتماعية أو الاقتصادية، وعند الحديث عن المجتمع السعودي فلا ينبغي أن ننسى أن الرجل هو من يتحمل الأعباء بمفرده في سبيل توفير العيش الكريم لأسرته، وبالتالي هو أكثر عرضة للأمراض".
الوضع خطير
وفي ذات السياق، يؤكد عميد البحث العلمي في جامعة الملك سعود بالرياض، الدكتور رشود بن محمد الخريف، أن "الوضع في السعودية تغير خلال السنوات القليلة الماضية إلى وضع مقلق. فلم يعد يشابه الدول المتقدمة التي تحتل أمراض القلب المرتبة الأولى ضمن قائمة الأسباب الرئيسة للوفاة، كما هو الحال في أميركا، بل أصبحت الحوادث هي السبب الأول المؤدي لوفاة الذكور السعوديين، ويأتي بعدها أمراض القلب".
وترتفع نسبة الوفيات بين الذكور السعوديين بسبب الحوادث إلى 24%، أي أن ربع الوفيات في السعودية تقريباً سببها الحوادث، مقارنة بنحو 5% في أميركا، وكذلك في البحرين.
ومما يزيد من وطأة الكارثة أن أغلب الوفيات تحدث بين الشباب، وأنها في تزايد مستمر، وبذلك ربما تحتل السعودية المرتبة الأولى عالمياً من حيث معدل الوفيات بسبب الحوادث.
ارتفاع تعداد الذكور
وبحسب الإحصاءات التي نُشرت في وسائل الإعلام المحلية، فإن التعداد الكلي للذكور بالسعودية يفوق تعداد الإناث بما يقارب 130 ألف شاب، وذلك للفئة العمرية الأقل من 20 عاماً، وفقاً للأرقام الإحصائية لمركز المعلومات الوطني بوزارة الداخلية.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تجاوز فيه عدد السكان في السعودية حاجز 30 مليون نسمة، بنهاية عام 2014، ليصل إلى 30.8 مليون نسمة، بنسبة نمو 2.6% عن 2013، فيما بلغ عدد الأجانب أكثر من 10 ملايين.
وهنا يضيف طلعت حسن: "في حال افتراضنا استمرار ارتفاع وتيرة الوفيات بين الذكور في السعودية، فعلينا أن نتوقع ارتفاعاً قياسياً في نسب العنوسة بين الإناث، وذلك بالرغم من الارتفاع الحالي في حالات العنوسة بين الفتيات السعودية التي بلغت نحو 4 ملايين فتاة خلال العام المنصرم، وهو أمر مخيف، ويصعب تصديقه".
ويؤكد المحلل الاقتصادي والأكاديمي في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، الدكتور مصطفى مكي، لـ"عربي بوست" أن الحكومة السعودية تعي خطورة تلك الأرقام وتأثيرها على خطط التنمية في السعودية، ولا يخفى على الجميع أهمية الدور الذي يضطلع به الشباب في تنفيذ الكثير من الأعمال والمشاريع في كافة المجالات".
ومن هذا المنطلق، قامت الحكومة السعودية بتنفيذ العديد من المبادرات الاجتماعية التي قد تلعب دوراً هاماً في الحد من الأسباب المؤدية إلى ارتفاع حالات الوفيات بين الشباب السعودي، فهناك على سبيل المثال حملات سنوية للتعريف بالمخاطر الناجمة عن حوادث السير والقيادة المتهورة، إضافة إلى الحملات التوعوية للتحذير من آفة التدخين، وغيرها من حملات التوعية بالمجالات الصحية.