يوميات غائب في الارياف (7-7) الأخيرة

ولكن سأنادي فقط بأن نعود نحن في المقام الأول إلى أنفسنا ونعرف أن الله وهبنا نعمة لا تعوّض اسمها "الطبيعة" قبل أن نعود إليها والتي يجب علينا جميعاً بصدق سماوي أن نحارب من أجل عودتها وأن نحافظ عليها

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/17 الساعة 04:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/17 الساعة 04:57 بتوقيت غرينتش

لا أصدق أنني أضع نقطة النهاية لرحلتي إلى بلادي التي غبت عنها لمدة طويلة، بدأت أنظر للريف وأنا أعطيه ظهري لا قلبي، ولذلك الأفق اللانهائي لهذه المساحات الخضراء التي بها بقع حجرية أسمنتية شوّهت كثيراً من هذه اللوحة البديعة، ولكنها بقيت لوحة جميلة مبتعثة من روح باقية ستبقى بداخلنا وجذوة لن تطفئ مهما تناولتها يد العبث والتخريب المفتعل من مجموعة لا تنتمي للوطنية المصرية بصلة.

ها هي السلسلة تنتهي ولكن لم تنته القضية بعد ومازال المتهمين فيها قيد الحرية العشواء التي ارتقت بهم فوق مصاف الشرفاء رغم ما فعلوه من جرائم كانت بلا دم مسال سوى على جبين الوطن المثقل بهم.
لا أعلم لماذا تذكرت جدي "رحمه الله" وهو يحكي لي عن الريف قديماً وكيف كان فيه الماء نقياً، حيث ترى السمك وهو يسبح في "الترع" التي شقها الفلاح القديم لتروي أرضه العطشى، ترى العالم الفوقي وأيضاً العالم الداخلي كنفس من رحلوا تماماً، شفافة، هادئة.

أحببت أن ألتقط بهاتفي لقطة العودة وسط الأرض ولكن للأسف لم تتح لي الظروف بذلك فاكتفيت فقط بالتقاط صورة تذكارية للشمس وهي تشرق من جديد على بلدنا الطيبة.
كم كنت أتمنى أن يعود الريف ريفاً حقيقياً لا أن تُمسخ هويته بهذا الشكل الفج القبيح فأضحى لا هو ذلك الريف الرائع ولا هو تلك المدينة الصاخبة، بل هو في تلك المنطقة الرمادية السيئة التي لا تحمل أي جواب سوى الندم على ضياع الملامح.

غادرت وكلي أسى وأرجو أن أعود ثانياً للريف الذي قرأت عنه في روايات محمد عبدالحليم عبدالله ولقطات صلاح أبوسيف السينمائية وعرفته أيضاً من حكايات جدي وأبي، ذلك الريف الذي كان بحق "أستوديو مفتوحاً" لكل راغب ومحب للفن الذي كان أيضاً للجميع، سأبقى أشرف بالانتماء لتلك البقعة ولن أصدح بصيحة روسو القديمة "بالعودة إلى الطبيعة".

ولكن سأنادي فقط بأن نعود نحن في المقام الأول إلى أنفسنا ونعرف أن الله وهبنا نعمة لا تعوّض اسمها "الطبيعة" قبل أن نعود إليها والتي يجب علينا جميعاً بصدق سماوي أن نحارب من أجل عودتها وأن نحافظ عليها وأثق بأننا حين نخاف من قطع الوردة التي في بستاننا كما نسرع اليوم لنجرف التربة الخصبة بكل أريحية لنبني تلك الكتل الخرسانية القبيحة ساعتذاك فقط سنعود وستعود أيام جدي التي رحلت كنهاية فيلم عربي حزين متوقع النهاية فهل من منقذ في هذه اللحظات الأخيرة؟

"في طريق المطار قبل المغادرة"

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد