استضاف مركز الديمقراطية والتنمية وسيادة القانون في جامعة ستانفورد جلسة نقاشيّة بعنوان "احتواء السياسة في مصر"، بالتزامن مع الذكرى الـ 5 لثورة 25 يناير 2011.
أدار الندوة لاري دايموند، من مركز فريمان سبوجلي للدراسات الدوليّة ومعهد هوفر بجامعة ستانفورد، وفي البداية أشار دايموند لغرابة الاسم فالعنوان بالإنجليزية هو "The Containment of Politics in Egypt"، وأدلّته التي تستشعر في اللغة الإنجليزية وتغيب في العربية هيّ أن السياسة شيء خطير يحتاج النظام الحالي في مصر لاحتوائه كما يحتوى الحريق، قائلاً هذا معنىً تهكميٌّ لا يتناسب مع قيم الديمقراطيّة.
واستضافت الندوة جوويل بينين، أستاذ التاريخ بجامعة ستانفورد، وليسا بليدز، أستاذ مساعد في العلوم السياسيّة، وعمرو حمزاوي، الأستاذ الزائر بستانفورد وأستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأميركية بمصر وعضو سابق ببرلمان مصر عقب الثورة، كما استضافت نانسي عقيل، المديرة التنفيذيّة لمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط (عبر سكايب) وإحدى المبرئين في قضية التمويل الأجنبيّ، وهشام سلّام، من كبار الزملاء بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد أيضاً والمدير المساعد لبرنامجArab Reform & Democracy .
نانسي عقيل
كان الحوار حول طاولة بيضاويّة تضم المتحدثين والحضور معاً فبدا في صورة غير متكلفة لكنّه كان منظماً. بدأ لاري دايموند الحوار وقدّم نانسي عقيل التي ظهرت على الشاشة في مقدّمة القاعة حيث إنّها تقطن في واشنطن العاصمة بينما عقدت الندوة في شمال كاليفورنيا.
تحدّثت نانسي عن الوضع في مصر من حيث الحريات وأنّه لم يتغير عن وقت مبارك وأشارت إلى أنّ هناك فارقاً طفيفاً بين نظام مبارك والنظام الحالي وهو أنّ مبارك كان له قوة أمّا النظام الحالي فتركيزه على السيطرة، فهو يمنع أي شكل من أشكال المشاركة الشعبية، وأنّه نجح في تغيير بعض الشخصيات والممارسات لكن الشارع كما هو لم يتغير، ولم تتغير معاملات الناس، وقالت أنّه يتم تسجيل أكثر من 82 مخالفة حقوقيّة في الشهر الواحد.
كما تحدثت عن "البروباجاندا" الإعلاميّة وقوّة هذه الآلة في إظهار إنجازاتٍ للنظام مع بثّ الخوف من الثورة عليه باستحضار نموذج سوريا والعراق، وهذا يؤثر على كل القوى الداخلية والخارجية التي تسعى للتغيير.
عمرو حمزاوي
كان المتحدث التالي هو عمرو حمزاوي الذي قرّر أن يتحدث عن 3 اتجاهات لتقرير الكيفية التي يتم بها احتواء السياسة في مصر، ثمّ من يحتويها، وحددها في "السيطرة"، والاستخفاف بالسياسة، وأخيراً، تجريم العمل بها.
وقال حمزاوي إنّ السيطرة تتم عن طريقين؛ الطريق الأول: الأدوات القانونيّة باستحداث مواد دستورية قانونية جديدة تضع المؤسسة العسكرية فوق القانون بحيث لا يمكن لأي برلمان منتخب أن يغيّر منها، وهذه المواد تستهدف النشطاء السياسيين والطلاب ومن أخطرها إلغاء الحد الأقصى لمدة الاعتقال المؤقت.
وقال "المنظمات غير الحكومية رصدت ما بين 40 إلى 50 ألف معتقل مصريّ أغلبهم تحت اعتقالات مؤقتة حتى أنّ بعضهم في السجن منذ عامين دون محاكمة وأنّ المتابع سيجد تصريحات ببناء سجون جديدة وهذا دليل على ازدحام السجون المصريّة".
3 خطوات لاحتواء السياسة
حمزاوي أكد أنه لإحكام السيطرة "هناك شبه احتكار من الجهاز الأمني وهذا لا يشير فقط إلى وزير الداخلية بل إلى المخابرات أيضاً. والبرلمان الذي بدأ أولى جلساته فقد تكوّن تحت سيطرة الجهاز الأمني مباشرة من وزير الداخلية وأمن الدولة والمخابرات".
واعتبر أن الطريق الثاني لاحتواء السياسة في مصر: "الاستخفاف بالسياسة؛ الذي تحدثت عنها نانسي وهو إنّك لو نظرت حولك لرأيت مصر تتجه نحو سوريا والعراق وهو تكتيك الرعب الذي يمارسه النظام وهذا الأسلوب ليس بجديد على مصر حيث استخدمه الرؤساء عبد الناصر والسادات ومبارك بفاعليّة مع تغير العدوّ بحسب المصلحة وقتها".
"إلى جانب هذا فالنظام أوصل فكرة أنّ السياسة عمل لا يجلب الخبز لمصر وهذا يقودنا إلى قضية أخرى لأنّ المؤسسة التي تأتي كبديل هي المؤسسة العسكرية التي تقدم المواد الغذائية، واحتياجات المستهلك إلى المواطن فترى الجيش يبيع الخضار والفاكهة إلى الشعب بأسعار مخفضة وترجمة هذه السياسة على المدى البعيد هي أنّ السيطرة على الأسعار أصبحت متروكة للمؤسسة العسكريّة وهذا استخفاف بالسياسة وبالمؤسسات المدنية التي تعد من عناصر الجسد السياسي".
وقال أستاذ علم السياسة إن "النقطة الثالثة لاحتواء السياسة في مصر هي "تجريم العمل السياسي المستقل، المستهدفون من هذا هم الطلاب والعمال. والنظام الحالي يخلط أساليب من عصر مبارك مع أخرى من وقت عبد الناصر، فهناك مؤسسات أمن خاص وعام تقتحم الجامعات المصريّة، كما نجد إجراءات ضد العمال الناشطين والطلاب وحركاتهم".
4 مكونات للنظام
عن النظام الحاكم نفسه، قال حمزاوي هناك أربعة مكوّنات له: أولاً: "المؤسسة العسكريّة التي يقبع ممثلها في القصر الرئاسي، وكما أشارت نانسي فهم يضعون أنفسهم في الواجهة فإن لم يوفوا فالغضب الشعبيّ سيضربهم وحدهم إذ يبالغون في الوعود".
ثانيًا: "الجهاز الأمنيّ، والدور العسكري الموّسع في القطاعات المدنية يوحي بأنّ الجهاز الأمني عاد لينتقم ليس فقط من 2011 ولكن من فكرة الانفتاح. وما يحدث الآن لا يأخذ مصر إلى ما قبل 2011 بل إلى ما قبل 2005 حيث لا يسمح بالعمل السياسي. فحركة كفاية التي رأيناها منذ 2004 إلى 2011 لا يمكن أن تُشَّكل وتعمل قانونياً في الظروف الحالية".
ثالثا: "المكوّن الثالث في النظام الحاكم ،هو البيروقراطية التي تعيّن الآن أكثر من 7 ملايين مصري بالإضافة إلى عوائلهم ولهم مصالح مع النظام، وهؤلاء يلعبون دوراً أساسياً في دفع مصر إلى الخلف حيث الحكم الأوتوقراطي".
رابعاً: "النخبة وهي المكوّن الهام لاحتواء السياسة في مصر، وهم النخبة الاقتصاديّة والسياسية وهي قوى مدنية، فالقوى المدنيّة الحزبيّة استسلمت للأوتوقراطيّة (الحكم الفردي) لأنّهم يستفيدون منها ويتم توزيع مقاعد في البرلمان بينهم أيضاً، أمّا النخبة الاقتصاديّة فقد ارتضوا الاستسلام للنظام الحالي مراعاة لمصالحهم على أساس حسابيّ بسيط وهو الولاء مقابل الدخل".
جوويل بينين
المتحدث الثالث هو جوويل بينين والذي عمد إلى عدد من الإحصائيات التي ركّزت على الاحتجاجات في مصر وعلى الفئات المحتجة منذ وقت مبارك. نبّه جوويل إلى زيادة الاحتجاجات بعد خلع مبارك وإلى انخفاضها الواضح بعد الانقلاب العسكري. كما تحدّث عن رفض الكثيرين من الشعب المصريّ لخارطة الطريق.
عن احتجاجات 2014 لاحظ بينين أنّ 25% فقط كان من عمال المصانع أمّا أغلبية المحتجين فقد كانوا من ذوي الياقات البيضاء ومن أصحاب الشهادات المتقدمة. في 2015، وفقاً لإحصائيات مركز المحروسة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية MCSD فإنّ 39% من الاحتجاجات تكونت من ذوي الشهادات المتقدمة وهذا الرقم زاد في آخر السنة نفسها إلى 52%.
نظامٌ لا يكتفي بالاحتواء
وعلى حد قوله، "فنحن أمام نظام ليس فقط يحاول احتواء السياسة بل ويراقب وسائل الإعلام ويقمع المهن القانونيّة ويرفض مطالب الأطباء في تغيير أولويات الميزانية للحصول على مظاهر الرعاية الكافية، ويرفض كذلك مطالب مماثلة للمعلمين.
ويكمل بينين أنّه مع ذلك فاحتجاجات العمال استمرت بشكل ملحوظ بل وشهدت مصر تكويناتٍ حديثة كتلك التي تضم الحاصلين على شهادات الدكتوراه وعرض صوراً من احتجاجاتهم هذه الاحتجاجات بعيدة تمام البعد عمّا تسميه المعارضة "سياسة" وهذا ليس فقط لأنّ النظام يريدها كذلك ولكن لأنّ العمال لا يثقون بالسياسة فهم لا يثقون بعجرفة واستغلال من الأحزاب السياسية، ولهذا فإنّ الموضوعات السياسية يُتحدث عنها من زاوية الفساد ومن زاوية مستوى المعيشة دون نقد للسياسة الاقتصادية للنظام.
ليسا بليدز
بعد بينين، تحدّثت ليسا بليدز عن النخبة السياسية في نظام مبارك وقالت "إنّهم يعرفون كيف تسير الأمور إنّهم يريدون حماية مصالحهم. فدعونا ننظر لما حدث مع هؤلاء في عهد المجلس العسكري ثمّ خلال رئاسة محمد مرسي وأخيراً في عهد عبد الفتاح السيسي".
وتستكمل بليدز قراءتها للأحداث فتقول: "محمد مرسي تم عزله بعد عام واحد من رئاسته وأعتقد أنّ لنخبة رجال الأعمال دوراً في عزله، وأحد الطرق التي لجأوا إليها كانت من خلال تملكهم لوسائل إعلام مستقلة شديدة النقد للإخوان المسلمين".
وأضافت إن "كثيراً من التقارير الإعلامية تحدثت عن دور رجال الأعمال في الانقلاب على محمد مرسي لم يتم تأكيدها ويقع معظمها في محور الشائعات، لكن إحدى القصص المتداولة كانت عن رجل الأعمال نجيب ساويرس ولقائه بالسيسي وأنّه قال له: لقد وفرت الرجال والمال والتأثير لعزل مرسي والآن أريد بعض الحماية من تأميم أعمالي".
وقالت رغم ذلك فإن حكومة السيسي لم تستطع الحفاظ على مصالح رجال الأعمال بنفس المستوى الذي كان عليه مبارك. لكنّهم يثقون في أنّ لهم ممثلين في الحكومة بدليل استجابتهم لطلب السيسي في المساهمة في تطوير مصر".
وعن برلمان 2015 قالت بليدز: "إذا نظرنا إلى أسماء الفائزين في البرلمان الجديد فسنجد العديد منهم هم أبناء وبنات نوّاب سابقين، وهو دليل على تداول القوى داخل نفس النخبة السياسية."