العالم يغرق في البترول الخام، حتى أن الفائض من إنتاج العام الماضي من البترول كان كافياً لتغطية حاجات دولة في حجم بريطانيا أو تايلاند. أصبح العالم غارقاً في الفائض الوفير من البترول. وأسعار النفط ستستمر في الانخفاض حتى يتقلص ذلك الفائض.
فائض النفط – النفط الخام غير المباع الذي يتكدّس في جميع أنحاء العالم – هو بمثابة مأزق ومصدر قلق للمستثمرين؛ إذ سبّب اضطراباً مُفاجئاً آخر في السوق العالمي يوم الجمعة، بحسب ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز".
ولأن الأسعار انخفضت، فقد تم خفض كمية الإنتاج أيضاً إلى أقل من النصف خلال الشهور الستة الماضية، مع العلم أنه يتم غمر السوق يومياً بفائض لا يقل عن مليون برميل.
لكن هذا يعني أن الفائض مازال في تزايُد مستمر، ومن الممكن أن يستغرق العمل بذلك المخزون من الفائض أعواماً، أو يتم تخزينه في مستودعات البترول أو تحميله على ناقلات عملاقة ليُخزَّن في البحر.
كانت الضربة مؤلمة، إذ سببت خسارة أكبر للشركات والدول والمستثمرين.
تراجعت الأسهُم العالمية بشكل حاد يوم الجمعة، كما تراجع سعر النفط ليصل سعر البرميل إلى 30 دولاراً. وكان الفائض هو سبب تلك الأزمة، حيث خشي المستثمرون أن الطلب من الصين سوف ينخفض، وإمدادات إيران سوف تنمو.
العالم ينتج الكثير من البترول
يقول ستيف مكوي، نائب رئيس شركة "لاتشاو" للحفر والتي ازدهرت في السنوات الأخيرة بسبب اكتشاف الغاز الصخري، إن "أزمة الفائض من البترول أصبحت لا تُحتمل. ببساطة، ينتج العالم الكثير من البترول، والآن يتحتم علينا أن نستخدم ذلك البترول، وإلا فإن العديد من الشركات والدول المنتجة للبترول سوف تتعرض للإفلاس".
قبل سنتين فقط كانت الدول النفطية ومنتجو النفط يكدسون ثروات هائلة نتيجة عمليات التنقيب عن البترول وضخه لإمداد الطبقة الوسطى في آسيا وأميركا اللاتينية وإفريقيا بالنفط. لكن فجأة، وجدوا أنفسهم ينتجون أكثر مما قد تحتاج تلك الدول، في وقت تتقلص فيه حاجات الصين وغيرها من الاقتصادات سريعة النمو، التي كانت ذات يوم بحاجة ملحة إلى الطاقة.
جعل الفائض أسعار النفط في فوضى عارمة، وتسبب في انخفاض السعر إلى أقل من 70% على مدى الـ18 شهراً الماضية.
وهذا بدوره أدى إلى انخفاض أسعار الأسهُم في جميع أنحاء العالم، إذ المستثمرون قلقون بشأن النمو العالمي. تراجع مؤشر "ستاندرد آند بوورز" حوالي 8% في الأسبوعين الأولين فقط من السنة.
كما أن الأسهم الأوروبية تراجعت أكثر من ذلك. انخفضت الأسهم الصينية بنسبة 20% عن الذروة التي بلغتها في ديسمبر/كانون الأول، ما وضع السوق في موقف حرج.
قال توم كلوز، الرئيس العالمي لتحليل الطاقة بدائرة معلومات أسعار النفط: "ما كان يُعدُّ ذات يوم هِبةً، أصبح الآن هديةً وقعت بين مخالب قرد. الأضرار المالية العالمية أضاعت فوائد النفط الرخيص ليصبح سعره 30 دولاراً للبرميل الواحد".
قد يزداد الوضع سوءاً
الاتفاق النووي مع إيران من شأنه أن يسمح للدولة بأن تُصدر مزيداً من البترول، بمُجرد أن يتم رفع العقوبات عنها، ما قد يؤدي إلى إضافة حوالي 500 ألف برميل مما ستنتجه إيران يومياً إلى السوق العالمي.
بالإضافة إلى التقدم المبدئي في المفاوضات بين الفصائل المتحاربة في ليبيا، والتي تقاتل من أجل السيطرة على النفط وموانئ تصديره، وهذا بدوره من الممكن أن يُطلق العنان لفيضانات أُخرى من فائض البترول. كما أن كلاً من المملكة العربية السعودية والكويت والعراق تواصل ضخ البترول بشكل كبير من أجل سعيها الدائم للاستيلاء على الأسواق الآسيوية.
وتعمل الولايات المتحدة حالياً على خفض إنتاجها ببطء. العديد من شركات النفط الكبيرة بدأت في تعطيل عدد كبير من الحفارات، بالإضافة إلى إفلاس عشرات من المشروعات الصغيرة.
وقال سكوت تينكر، مدير مكتب الجيولوجيا الاقتصادية في جامعة تكساس في أوستن لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، إن إنتاج "الخليج والنفط الصخري تسببا في هذا. كل منهما ينتج بوفرة. وهذا هو السبب الرئيسي للمشكلة".
قد يبدو أن إنتاج حوالي مليون أو مليوني برميل من الفائض اليومي قد يمثل مشكلة لسوق عالمي يتطلب 94 مليون برميل نفط يومياً. لكن المشكلة تكمُن في أن الكمية التي تفيض يومياً هي الأكبر مُنذ انهيار أسعار البترول في تسعينيات القرن الماضي.
حينها انخفض سعر البرميل إلى أقل من 10 دولارات، كان يفيض البترول من العديد من الحقول الجديدة بينما كانت الأزمة المالية الآسيوية تعصف بالأسواق الناشئة حديثاً.
يعود معظم الفائض اليوم إلى مُضاعفة الولايات المتحدة إنتاجها المحلي من النفط منذ عام 2008. حيث أدت طفرة اكتشاف النفط الصخري إلى إضافة ما يُقارب 3 ملايين برميل يومياً إلى السوق العالمي.
إضعاف المنافسين
في الماضي، حين كانت الأسعار تنخفض، كانت السعودية وشركاؤها في منظمة الدول المُصدرة للنفط تخفِّض الإنتاج كي ترفع الأسعار. لكن هذه المرة السعودية والعديد من كبار المنتجين، رفعوا من مُعدل الإنتاج للحفاظ على حصصهم في السوق وإضعاف مُنافسيهم من الذين ينقبون في حقول النفط الصخري بتكساس وداكوتا الشمالية.
على الرغم من تراجُع الأسعار عام 2015، ارتفع الإنتاج العالمي. وتُقدر وزارة الطاقة أن الفائض سيزداد بنسبة 700 ألف برميل يومياً في عام 2016.
ميزان العرض والطلب للنفط يتأرجح بشكل بمفاجئ، جنباً إلى جنب مع الأسعار، كما حدث في أوائل العقد الماضي.
في ذلك الوقت، اتجهت الصين ومثيلاتها من الاقتصاديات الناشئة إلى مُضاعفة إنتاجها حين كان إنتاج نظيرتها الأميركية والمكسيكية يتراجع، بينما كان المنتجون الكبار مثل فنزويلا ونيجيريا يواجهون اضطراباتٍ سياسية. كل هذا أدى إلى ارتفاع سعر برميل النفط إلى ما يُقارب 150 دولاراً للبرميل بحلول عام 2008.
وهذا هو الاحتمال الذي يُفكر به العديد من المحللين الآن، حتى وإن كان الارتفاع في سعر البرميل لن يصل إلى سعره في عام 2008، لكن انخفاضاً غير متوقع في الإنتاج أو ارتفاعاً في الطلب من شأنه أن يخلق حداً أدنى للأسعار، يخفف كمية الفائض، وفي النهاية، يقود إلى عودة الأسعار وكميات الإنتاج إلى معدلاتها الطبيعية.
أما إذا تصاعد الخلاف بين المملكة العربية السعودية وإيران وأدى إلى حرب عسكرية، فإن الفائض من البترول سيختفي في الحال.
كما أن مجال إنتاج البترول في العراق يواجه العديد من التهديدات، بما فيها إرهاب الدولة الإسلامية. فالدولة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه شركات البترول العالمية، كما أن المياه التي تُضخ بحقول البترول القديمة لإحيائها تكاد تنفد. بالإضافة إلى فقر إمداد خطوط الأنابيب في الحقول الكردية الشمالية.
انخفاض أسعار النفط قيد بالفعل أعمال التنقيب وإنتاج البترول في العالم بأسره.
منتجو النفط الأميركي في تراجُع، حيث قامت مُعظم شركات البترول بتعطيل ما يزيد على 60% من حفاراتها عن العمل في العام الماضي. بعد أن بلغت ذروتها بإنتاج 9،7 مليون برميل يومياً في أوائل العام الماضي، انخفض إنتاج النفط المحلي بمقدار نصف مليون برميل. وشركات كبيرة مثل "روسنفت" و"لوك أويل" والعديد من الشركات الغربية تُغلق مشاريعها في روسيا.
مخاوف مُبالغ فيها
يقول بعض المحللين إن المخاوف حول تباطؤ الطلب من قِبَل الأسواق الناشئة، وهو نتيجة ثانوية للضعف الاقتصادي، هي مخاوف مُبالغ فيها.
الصين والهند، على سبيل المثال، تعملان جاهدتين من أجل بناء احتياطيات استراتيجية هائلة، ما قد يزيد من الطلب.
يُقدر بنك "آر بي سي كابيتال ماركتس"، وهو بنك تابع لبنك رويال في كندا، أن احتياجات الصين ستستمر في الزيادة لأنها ستضيف ما يُقارب من 60 إلى 70 مليون برميل إلى مخزونها الاحتياطي هذا العام. وبدأت الهند بادخار الاحتياطي فقط في العام الماضي، وهي تُخطط لادخار ما يُقارب من 330 مليون برميل في غضون الأعوام القادمة.
وقال الخبير مايكل تران إن "الطلب المُتزايد من شأنه أن يُساعد بالطبع، لكن فائض الإنتاج هو ما يُبقي سعر البرميل أقل من 30 دولاراً، والحل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو تخفيض مُعدل إنتاج البترول".