أصدرت محكمة الأسرة حكماً نهائياً يعترف بزواج مدني لمسيحيين مصريين في واقعة هي الأولى من نوعها في تاريخ القضاء المصري، ليعيد هذا الحكم الجدلَ الدائر حول أزمة طلاق المسيحيين المصريين، وطلبات الحصول على تصريح كنسي بزواج ثان.
وقد ذكر حقوقيون أقباط أن أزمة طلاق المسيحيين من خلال الكنيسة فقط، كانت قد فتحت باباً من الفساد داخل المجتمع الكنسي، مطالبين بقواعد واضحة تحكم الأمر وألا يترك لتفسيرات الكهنة.
الحكم الأخير
وكانت المحكمة قد حكمت لصالح مسيحي، كان متزوجاً وحصل على حكم بالطلاق من محكمة ألمانية، ولصالح مسيحية لم يسبق لها الزواج من قبل، بإشهار زواجهما، لكن محامي الزوجين لم يعلن عنه حتى الانتهاء من الفترة المحددة للطعن على الحكم الصادر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2015، ومدته 60 يوماً، والتي انقضت ليصبح الحكمُ واجبَ النفاذ بقوة القانون.
وكان الزوج قد سافر إلى ألمانيا وقام برفع قضية طلاق استناداً إلى القانون الدولي الخاص بالأحوال الشخصية وتضمنت الزوجة في الدعوى بطلب الطلاق فصدر لهما حكم الطلاق، وتم ترجمة وتوثيق هذا الحكم داخل مصر وتقديمه للمحكمة الذي بموجبه تم رفع أسماء الزوجين المطلقين من سجلات الأحوال المدنية، وبات لهما حق الزواج مرة أخرى وبالفعل تقدم الزوج بدعوى للاعتراف بالزواج الجديد.
المحامي ناجح سعيد عبد المسيح ذكر أن هذا الحكم يمكن أن يتحول إلى قاعدة عامة يتم تطبيقها مستقبلاً لكل غير القادرين على الحصول على تصريح كنسي بالزواج الثاني.
الوضع في مصر
الكنائس المسيحية الثلاثة، الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية، تضع لوائحها الداخلية الخاصة بعمليات الطلاق والتصريح بالزواج الثاني. وتختلف هذه اللوائح طبقاً لتفسير كل كنيسة لبعض نصوص الكتاب المقدس.
وترى الكنائس الثلاث في الزواج "رباطاً إلهياً مقدساً" لا يمكن حله إلا في حالات محدودة جداً مثل الزنا، ولا يمكن أن يتم الطلاق لأسباب معتادة مثل استحالة العشرة أو فقدان التواصل بين الزوجين.
وفي ظل وجود ما يقدر بـ3 مليون حالة عدم استقرار أسري وطلب للطلاق لم يبت فيها من قبل الكنائس، تتبعها طلبات للحصول على وثيقة ثانية للزواج، فقد انتشرت عدد من مظاهر التحايل والفساد.
ظاهرة "الزواج العرفي" انتشرت بشكل واضح بين المسيحيين، فقد تم رصد 900 حالة زواج عرفي حتى عام 2015. كما أشارت حركة "الحق في الحياة" المسيحية إلى لجوء 300 ألف أسرة قبطية للمحاكم من أجل الحصول على الطلاق.
فساد كنسي
وتذهب آراء أخرى إلى أن القضية التي يعاني منها المسيحيون، لم تعد قاصرة على البعد الاجتماعي فقط، ولكنها أخذت أبعاداً أخلاقية وفساداً مالياً وإدارياً، وأصبح تصريح الزواج الثاني سبباً لدر الأموال على الكنيسة.
وتحدث الناشط القبطي كمال غبراييل عن وجود وقائع فساد فعلية، مثل "قيام كاهن كبير بالكنيسة بإنهاء زواج ابنته، ثم تزويجها مرة أخرى في فترة وجيزة"، وذكر أن هناك "تعريفة" ثابتة تصل إلى 5 آلاف دولار، يأخذها أحد كبار قيادات الكنيسة المصرية لكي يصدر حكم بالطلاق، حسب تعبيره.
وكانت نساء الأقباط اللواتي يرغبن في الطلاق يلجأن إلى مخرج تغيير الملة من أجل الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية ورفع دعوى خلع ضد الزوج، لكن هذا المخرج أصبح صعباً بعد قيام الكنائس المصرية بوضع العديد من العراقيل أمام تلك الخطوة بعد إدراك سبب هذا التغيير، وكذلك توافقهم على الرغبة في السيطرة على هذا الملف.
رفضٌ للحكم
وأكد القمص سرجيوس سرجيوس، أن محكمة النقض سبق وأن أقرت أن عقد الزواج في المسيحية هو "سرٌّ مقدس" يخضع لصلوات وطقوس دينية كنسية وليس له علاقة بالوثيقة الورقية المدنية، مشيراً إلى أن الأزمات المثارة ترجع إلى تعثر الأحوال المادية للشباب واللجوء إلى الورقة المدنية غير المكلفة.
حالة مشهورة
وكانت الفنانة المصرية هالة صدقي قد لجأت لتغيير ملتها من الكنيسة الأرثوذكسية إلى الكنيسة السريانية لتكون في حالة اختلاف ملّة مع الزوج، بعد سنوات من محاولة الحصول على حكم بالطلاق، ليتم تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، بعد أن رفعت دعوى خلع في عام 2002 وحصلت عليه بالفعل.
لكن الأزمة تفجرت في 2007 حين أعطت الكنيسة تصريح زواج ثانياً لصدقي، في حين رُفض إعطاءُ هذا التصريح للزوج، لتقوم بإقامة زواجها الجديد بإحدى الكنائس التابعة لملتها القديمة، وهو ما فتح الحديث عن تغيير الملة المؤقت من أجل التحايل والحصول على طلاق.