وجد المواطنون المسنون في مدينة نوفوسيبرسك، بروسيا، مفاجأة غير سارة في انتظارهم عندما وصلوا إلى مكتب البريد لاستلام معاشاتهم التي يكفلها نظام الضمان الاجتماعي، فقد وجدوا ورقةً معلّقة على باب المبنى الأمامي تقول:
"نظراً لنقص السيولة، فإن الرواتب الشهرية لشهر يناير/كانون الثاني 2016، لن يتم صرفها حتى يعود تدفّق السيولة".
لقد تسبب التدهور الدرامي في أسعار النفط بتقليص عائدات تصدير البترول والغاز، والتي تمثّل نصف ميزانية روسيا. المال، ببساطة، ينفد لدى الدولة الروسية.
تعليق صرف الإعانات
على مدار العام الماضي، أُجبرت عدّة أقاليم روسية على تعليق صرف الإعانات والمعاشات، أو الامتناع عن صرف زيادات التضخّم على مرتبات القطاع العام. ولم تُستثن مدينة نوفوسيبريسك، ثالث أكبر مدن روسيا، من هذا المدّ الزاحف، وفق تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الجمعة 15 يناير/كانون الثاني 2016.
جمعت وزارة المالية الروسية، الجمعة الفائتة مقترحاتٍ من شتى القطاعات الحكومية بشأن أوجه الإنفاق التي يمكن تقليصها، بحيث تصل الحكومة إلى تخفيض للإنفاق بنسبة 10 % في ميزانية عام 2016.
ورغم أن موسكو تقول إن النفقات الاجتماعية لن تتأثر، إلا أن الأمور كلّها تُشير إلى أن نظام الإعانات بالدولة معرّض للخطر، ومن الصعب استمراره، كما تؤكد تاتيانا ميليفا، مديرة معهد التحليلات الاجتماعية بالأكاديمية الرئاسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة.
تقلّص الاقتصاد
لقد تقلص اقتصاد روسيا بنسبة 3،7% العام الماضي، وانخفض متوسط الأجور بحوالي 10%، ومتوسط الدخل بنسبة 5% – لأول مرة في فترة رئاسة فلاديمير بوتين التي تتجاوز 15 عاماً. وقد جعل هذا العديد من الأسر والمواطنين يعتمدون على الإعانات، مثل تلك التي توقفت في نوفوسيبريسك.
الحكومة الروسية استطاعت خلال فترة الأزمة الاقتصادية الأخيرة عام 2009، منع الهبوط الحادّ للدخل الفردي وازدياد معدلات الفقر، عن طريق تدخلها بحزمة ضخمة من إجراءات الدعم الاقتصادي.
لكن الاحتياطي النقدي الذي كان يغذّي مثل هذه الإجراءات أصبح على وشك النفاد، وهذا يرجع جزئياً إلى أن الحكومة قد فشلت لفترة طويلة في معالجة مشاكل نظام الضمان الاجتماعي الذي تتبناه.
انكماش عدد السكان القادرين على العمل
ومن المتوقع أن ينكمش عدد سكان روسيا القادرين على العمل بواقع مليون شخص في كل من العامين الحالي والقادم، كما يتوقّع أن ينمو عدد المتقاعدين بمعدلات تصل إلى 400 ألف سنوياً حتى يساوي عدد السكان القادرين على العمل في عام 2030. وهذا التحول الديموغرافي يجبر الحكومة على سدّ العجز الأكبر من أيّ وقت مضى في نظام المعاشات التقاعدي الوطني.
حجم الأموال المخصصة للإنفاق الاجتماعي ارتفع من 9.1 % من الناتج المحلي الإجمالي عام 2008 إلى 14.3٪ في 2015.
أليكسي كودرين، وزير المالية الروسي السابق والمستشار الاقتصادي لبوتين، كان قد حذّر في منتدى غايدار للإصلاح الاقتصادي هذا الأسبوع، من أن النسبة قد تحتاج إلى الارتفاع بواقع نقطة مئوية إضافية على مدى 5-7 سنوات قادمة.
تجميد المساهمات
ويتم تمويل نظام المعاشات الروسي بشكل رئيسي من مساهمات القوى العاملة اليوم، والتي تستخدم لرعاية الجيل الحالي من المتقاعدين، إذ يتم تحويل كمية أقل من المساهمات أيضاً إلى صندوقٍ لاستخدامها للمتقاعدين في المستقبل. لكن موسكو جمدت هذا النوع الثاني من المساهمات العامين الماضيين بسبب الضغوط المالية الناجمة عن تراجع أسعار النفط الخام والعقوبات الغربية.
وقد جعلت الحكومة الأمور أكثر سوءاً بينما كانت تحاول تخفيف وطأة الركود بإضافة المعاشات التقاعدية وأجور القطاع العام إلى التضخم – الذي بلغ العام الماضي أكثر من 16 % – ما أدى إلى تفاقم الصعوبات المالية.
يمكن إنقاذ نظام التقاعد
يجادل دعاة الإصلاح أنه يمكن إنقاذ نظام التقاعد في حال قامت موسكو برفع سن التقاعد – وهي الإمكانية التي اعترف بها بوتين على مضض أول مرة الشهر الماضي.
وأضاف كودرين: نريد أن نكون" دولة اجتماعية، ونحن نوجّه أنفسنا صوب الدول الأوروبية التي لديها إجمالي ناتج محلي وعبء ضريبي أعلى مما لدينا. إذا كنا نريد أن نبني الدولة الاجتماعية، علينا أن نفعل ذلك بطريقة أخرى – نحن بحاجة إلى تحقيق نمو لا يقل عن 5 % سنوياً ".
يوافق معظم المسؤولين في فريق السياسة الاقتصادية لبوتين على ذلك، ولكن يستمر الركود في فرض أولويات مختلفة عليهم.
وفقا لـ"VCIOM"، أحد أبرز مؤسسات استطلاعات الرأي الرائدة في روسيا، فقد تدهورت المعنويات الاقتصادية بشكل كبير مرة أخرى منذ أكتوبر/تشرين الأول 2015، بعد تحسُّن طفيف في وقت سابق من عام 2015.
الأمور ستسوء
ويقول أوليغ غيرونزوب من المؤسسة: "أدرك الناس أن الأمور ستكون سيئة لفترة طويلة".
يضيف غيرونزوب أنه يتوقع ارتفاعاً في الاحتجاجات الناجمة عن تدهور الحالة الاقتصادية في مناطق روسيا قبل الانتخابات البرلمانية المقررة في سبتمبر/أيلول 2016.
في نوفوسيبيرسك، تبدو الحكومة سريعة في التقليل من شأن عدم دفع الرواتب. يقول فلاديمير غوردوتسكي، الحاكم الإقليمي: "كان هناك بعض التأخير في بعض الدفعات، ولكننا قمنا بتسوية كل ذلك".