خرابيش امرأة شرقية

أما الخوف الأعظم أن أكتب اسمي الحقيقي، فيعرفني الجميع، ويعرفون من أبي ومن أخي وعمي وخالي..، فيعيب الناس عليهم بي، فينعتونني بقليلة الحياء، المتبجحة وغيره الكثير، مع أني أكثرهم حياء وأدبا. إذاً فلأبقَ امرأة شرقية وما فاض عنها خرابيش.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/12 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/12 الساعة 03:27 بتوقيت غرينتش

دعنا نتفق أولاً أن نسميها "خرابيش" امرأة شرقية، إنه الاسم الأنسب لها من وجهة نظري، هذا على فرض أني أملك وجهة نظر أصلاً، لكني في الحقيقة أسأل نفسي كل يوم وساعة.. هل هي خرابيش؟ أم هل أنا فعلاً أمرأه؟ لكن بلا جدوى في الإجابة فلا أنا أتوب عن الخرابيش ولا أنا أجزم أني امرأة، كفى كفى خرابيط لا تضر ولا تنفع، فإن لم أكن امرأة فما عساي أن أكون؟.. لا أدري، قد أكون شبه امرأة، أو شبه إنسان، أو لا امرأة ولا إنسان.. أنا شيء أسميته امرأة شرقية، وأسميت ما فاض منها "خرابيش".

لا تستغرب كثيرا، فلِمَ جل هذا الاستغراب؟ وهل أنا وحدي من يزيف الأسماء؟ انظر حولك وسترى العالم بأسره مزيفا، فم الضير لو سرقت من طباعه شيئا ونسبته لنفسي ليكون حقيقتي؟ ولا تطلب مني أن ألقي عن ظهري أحمالا أنا ما حملت نفسي بها لكني ولدت بها، نعم.. نعم ولدت بها منذ بشر أبي بأن الله رزقه بنتا، والحقيقة أنا لا أعلم هل كان يراني أبي رزقا من الله أم همًّا ابتُلي به للممات؟ لن أقضي كثيرا من الوقت أبحث عن إجابة لسؤالي هذا، وسأعتبره كسائر أسئلة كثيرة دارت في ذهني وماتت ولم تجد لنفسها إجابة، فالنعد إلى ما كنا عليه قبل السؤال.. وأقول إني لا أستطيع أن ألقي ما حمِّلت به غصبا لا طوعا، ولا أستطيع أن أكسر قيدا أتعب معصمي طويلا ولا أدري بالتحديد متى يُكسر عن يدي.. وإن كنت أوقن أنه سيُدفن معي في قبري.

أخاف أن يعرف أحد بحقيقة خرابيشي، بأنها ما كانت يوما خرابيش، إنها أحاسيس وحب وأحلام وأمنيات..
إنها ساعات فرح وشوق وحزن وانكسارات، فأتَّهَم بما يعيب، وإن لم يكن عيبا، لكنه عيب بمجرد أن قرروا هم أنه عيب.
وأما الخوف الأعظم أن أكتب اسمي الحقيقي، فيعرفني الجميع، ويعرفون من أبي ومن أخي وعمي وخالي..، فيعيب الناس عليهم بي، فينعتونني بقليلة الحياء، المتبجحة وغيره الكثير، مع أني أكثرهم حياء وأدبا. إذاً فلأبقَ امرأة شرقية وما فاض عنها خرابيش.

هذه أنا وتلك حياتي، صحيح أني لم أختر يوما منها، لكني أعيشها، أبكي سرا، أحب سرا، أفرح سرا، لا شيء بالعلن، لحظة.. لحظة.. هناك شيء أعيشه بالعلن لكنه ليس مني، إنه الحياء الكاذب الزائف، كيف لا، وهم يمتدحون الخجل والخَجُولَ، وينبذون الجريئة القوية، ولا بد أن أكذب ليمتدحوني، كذبت كثيرا وطويلا حتى أتقنت الكذبة بل وصدقتها أيضا، فأنا أتقن تمثيل دور الحياء الذي قرروا هم أنه زينة المرأة، ولا بد أن أتزين ولو كذبا، هم علموني النفاق وما كنت قبلهم أعرف النفاق، لا تسألني كيف.. فقد استفضت في شرح واقعي ولا قدرة عندي للإعادة. فليس الذنب ذنبي إن لم تفهمني.

أشتهي كثيرا.. لا أنال إلا قليلا قليلا، والمضحك المبكي أن كل ما أشتهيه هو حق لي، وبالتأكيد وجبت علي الطاعة أن منعوني وغالبا ما يمنعوني، ولا أعلم هل هي الطاعة العمياء، أم الطاعة المولودة بدون عيون، اختر ما شئت في النهاية هي الطاعة، طاعة الجسد وإن أمتلأ عصيانا وتمردا، كنت أشتهي أن أركب الباص مع القليلات من بنات جيلي اللواتي أنعم الله عليهن بمجتمع أفضل مني فسمح لهن باستكمال دراستهن في مدارس بعيدة شيئا ما عن بيوتهن، كم اشتهيت هذا، فقد كنت طالبة ذكية متفوقة، طلبت من والدي بعد طول تفكير، وشد وجذب، ومد وجزر، أن يسمح لي باستكمال دراستي، لا أذكر بالضبط ماذا حدث وقتها، فقد مر زمن طويل ونسيت تقريبا الخطوط العريضة، لكني طبعا لم أكمل دراستي، وسمعت العبارة الشهيرة التي أظنكم تعرفونها، فلربما قيلت لبعضكن، أو قالها بعضكم "لشو التعليم والتعب؟.. المرأة آخرتها للبيت والمطبخ وتربية أولادها". على اعتبار ما سوف يكون يعني، وما كان لو كان كيف يكون، لكني قلت يومها لأبي لو لم يكتب الله لي الزواج، أو حتى لو مات زوجي، كيف أعيش حياة كريمة بلا علم يكفل لي عملا شريفا أعيش منه بلا عوز؟ لكني لم أسمع إجابة وبقي كسائره من الأسئله في حياتي بلا أجابة.

هذه عاداتهم وهذه أعرافهم، وأنا ابنتهم، وكأني خلقت لهذا الهدف لا لسواه، فأنا لم أجد عادات وأعرافا خنقت الرجال، وكيف تخنقهم؟ وهو من يسن العرف ويطبق العادات، وإن لم تَرُق له غيرها، وإن لم يغيرها حاربها، وإن حاربها أطاعته، وإن لم تطعه لم تضره، فهو رجل والرجل لا يعيبه شيء وإن كان عيبا، والمرأه يعيبها كل شيء ولو كان حقا، فبأي حق تطالبون يا أهل الباطل؟ لأشكون إلى الله العلي العظيم، يوم يجمع الخلق، لأشهدنه أنكم ما حكَّمتم دين الله إنما حكمتم أعرافكم العفنة في نسائكم.

لا تلومني أيها المتحاذق وتلقي اللوم كل اللوم على كاهلي، بأني لا أستحق الأفضل لأني لا أتقن سوى فن الخرابيش، آه أيها المتحاذق لو تعلم، آه أيها المتحاذق لو ترحم، فأنا أؤمن بخرابيشي الصغيرة وأحتاجها، فهي كما الهواء للمختنق، كما الماء للظمان، يحييه ولو لساعات، اتركني أصرخ لأعيش، فالصمت حلَّق في سمائي حتى بغضته، اتركني أرتاح برهة لأستكمل عناء حياة مرهقة، اتركني أنجو بساعات قليلات ولو من وهم، فقد أعطيت كل ذي حق حقه، وما أعطاني أي منهم حقي، اتركني لخرابيشي، واترك الخرابيش للمرأة الشرقية فقط.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد