قرأت في أحد المواقع الإلكترونية مقالةً رائعةً عن الكيفية التي يقيّم بها أناس هذا العصر بعضهم بعضاً، وكان المعياران الرئيسيان لتقييم الكثير من الناس هو: الراتب والمسمى الوظيفي..
أيقظت تلك المقالة كوامن دفينةً في نفسي تنبهني بأسلوبٍ قاسٍ بأنني في كثيرٍ من الأحيان ألجأُ إلى تقييم الآخرين على أسسٍ ماديةٍ ضيقةٍ كالرتبة الوظيفية وعدد سنوات الخبرة مع تجاهلٍ متعمدٍ للسؤال عن القيم والأخلاق التي يمتلكها الآخر. بدأت تطفو من داخل أعماقي الكثير من التساؤلات: هل أنا في عالمٍ يحكمه قانون الماديّات أولاً؟ هل اخترتُ أصدقائي وهم أيضاً اختاروني على هذه الأسس؟ هل صحيحٌ أنّ مقولة (إذا معك فلس تسوى فلس) صارت حقيقةً عملية؟ هل نحن مضطرون إلى العمل صباح مساء، سراً وعلانيةً حتى نصبح من أصحاب الدخل العالي ويُكتب على بطاقة العمل أننا مدراء مهمون كيما نحوز على تقدير الآخرين؟ هل قصدَ (ماسلو) أن حاجة الإنسان إلى تقدير ذاته هي أن يصبح عبداً للمعايير التي يضعها الناس له ليصبح عندهم ذا قيمة؟
صحيحٌ أن العمل يعطي للإنسان قيمةً مضافة، ولكن من الصحيح أيضاً أن هذا ينطبق على كل عملٍ شريف، فهذه القيمة ليست مشروطةً بمستوىً معينٍ من الراتب يناسب تلك القيمة، ولا بلقبٍ من الألقاب الرنانة، أو حتى شقة فخمة في أحد الأبراج الشاهقة..
لو نظرنا في سيرة كبار الشخصيات والقياديين عبر الزمن لرأيناهم قد بدأوا بأعمالٍ صغيرةٍ وبلا ألقابٍ أحيانًا، ومع ذلك كان لهم دورٌ كبيرٌ في خدمة الإنسانية خدماتٍ نعيش نحن ومن حولنا في ظلالها حتى الآن.
أحبّ أن أكون واثقاً بنفسي حتى ولو لم أكن من أصحاب الدخول العالية، وأحبّ أن يظلّ الناس يقدرونني ولو علموا أن سيارتي من النوع المتوسط الياباني وليس من النوع الفاره الألماني. أتمنى أن يتفهّم الناس أنه مع أنني لست مديراً الآن، إلاّ أنّني ما زلتُ إنساناً لي جوانب أخرى مضيئةً في حياتي، ولي أملٌ أن أصبح ذلك المدير في المستقبل. أحبّ أن يسألني الآخرون عن أهدافي وعن ثقافتي وعن إنجازاتي وأفكاري، وأتمنى أن تكون كذلك نظرتي اتجاههم.
إن كان حقاً تقييم معظم الناس -ولو ضمنياً- هو بمقياس المال والوظيفة، فهل سنخسر تقدير الآخرين إلى حين الوصول إلى تلك المستويات؟ وإن لم يقدر لنا الوصول فهل سنظلّ بلا قيمةٍ في عرف الناس؟ هل الحل إذاً هو أن نجمّل صورنا بشيءٍ من الزيف والمظاهر الكاذبة لاستحواذ التقدير؟
أظنّ أن الوقت قد حان كي أعيد النظر جدياً في أولوياتي المتشكلة عبر مرّ السنين، وأن أعيد تحديث هذه الأولويات ليس كما تمليه عليّ ثقافة هذا العصر، ولكن كما ينبغي لهذه الأولويات أن تكون، على الأقل أن تصبح رغبتي في سؤال الشخص عن عائلته وعن صحته وحتى إنجازاته.. تفوق رغبتي لمعرفة اسم شركته التي يعمل بها ونوع سيارته التي يركبها.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.