إذا كانت البداءة بالجهاد هي الشيء الوحيد المستثنى من صلاحيات الولي الفقيه المطلقة (كما يرى الخميني)، فما الحال حين يأتي المعصوم؟ كيف سيُعامَل أولئك الذين سيجاهدهم المهدي المنتظَر وأتباعه؟ (والسؤال الذي طرحتُه في المقال السابق هو.. من هم هؤلاء الذين سيجاهدهم المعصوم؟
لكن دعونا ننظر إلى النصوص المنقولة..
أخرج في بحار الأنوار بسنده عن أبي جعفر عليه السلام أنه سأله رجلا يدعى زرارة عن المهدي: أيسير بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: "هيهات هيهات يا زرارة ما يسير بسيرته"
وأضاف الإمام: "إن رسول الله -صلى الله عليه وآله- سار في أمته باللين كان يتألف الناس، والقائم -عليه السلام- يسير بالقتل، بذلك أُمر في الكتاب الذي معه: أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا، ويل لمن ناوأه". [الكتاب الثالث عشر، ص 373] فلا استتابة يومئذ! بل القتل.. والقتل فقط!
وهذا يدلنا على أن أولئك الذين سيقوم بقتلهم لا استتابة لهم، أي أنهم مرتدون! لأن الكافر الأصلي لا يطرح في حقه موضوع الاستتابة، وهو لن يستعمل معهم اللين كما فعل النبي الكريم.
ليس هذا فقط، بل ورد أن المهدي يقتل المولِّي -أي الفارّ الهارب- ويجهز على الجريح [المصدر نفسه، والصفحة نفسها] أي بخلاف سيرة الإمام عليّ عليه السلام مع خصومه، وأنه سيسير مع خصومه بالسيف والسبي! [المصدر نفسه، والصفحة نفسها]، فوق هذا أيضًا ورد في المصدر نفسه والصفحة نفسها أن الناس سيتعجبون من المهدي المنتظر لكثرة من سيقتلهم، حتى ليقولنّ كثير من الناس حينئذ: "ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم"، أي أنه لن يرحم أحدًا إلى درجة أن الناس سيشكّون في نسبته إلى الدوحة النبوية المباركة.
ولئن قيل: إن هذه الأخبار -إن صحّت- تدل على أن من يفعل هذا هو المهدي، لكنه لم يظهر الآن، فيجاب: لكن من يؤمن بهذه الأخبار يوافق على السبي من حيث المبدأ، تمامًا كما فعلت داعش الآن.
وورد كذلك بالسند إلى ابن فرقد أنه سأل أبا عبد الله -جعفرًا الصادق عليه السلام-: ما تقول في قتل الناصب؟ قال:"حلال الدم، أتقي عليك، فإن قدرت أن تقلب عليه حائطًا، أو تغرقه في ماء لكي لا يُشهد به عليك فافعل"! [بحار الأنور، الكتاب السابع، ص 779].
فهذا أمر صريح باغتيال "الناصب" بحسب معاييرهم، وبأي طريقة لا يُشهد بها عليك! وإذا علمنا أن هذا ما يُفعَل بالزيدية وهم شيعة وهم ناصبة عندهم -بحسب ما سبق من النقل في المقالة السابقة- فكيف بمن هم دونهم كالمعتزلة والأشعرية والإباضية وغيرهم؟
كذلك، رووا عن أبي عبد الله -جعفر عليه السلام- سئل: إذا لم نجد أهل الولاية يجوز لنا أن نصَّدّق (نتصدق) على غيرهم؟
فقال: إذا لم تجدوا أهل الولاية في المصر الذي تكونون فيه فابعثوا بالزكاة المفروضة إلى أهل الولاية من غير أهل مصركم، فأما ما كان في سوى المفروضة من صدقة فإن لم تجدوا أهل الولاية فلا عليكم أن تعطوه الصبيان ومن كان في مثل عقول الصبيان ممن لا ينصب ولا يعرف ما أنتم عليه فيعاديكم، ولا يعرف خلاف ما أنتم عليه فيتبعه ويدين به، وهم المستضعفون من الرجال والنساء والولدان تعطونهم دون الدرهم ودون الرغيف فأما الدرهم التام فلا يُعطى إلا أهل الولاية.
قال: فقلت: جُعلت فداك، فما تقول في السائل يسأل على الباب وعلى الطريق ونحن لا نعرف ما هو؟ فقال: لا تعطه ولا كرامة، ولا تعط غير أهل الولاية، إلا أن يرق قلبك عليه فتعطيه الكسرة من الخبز والقطعة من الورِق، فأما الناصب فلا يرقنَّ قلبك عليه ولا تطعمه ولا تسقه وإن مات جوعًا وعطشًا، ولا تُغثه وإن كان غرقا أو حرقا فاستغاث فغطّسه ولا تغثه".[بحار الأنوار، الكتاب العشرون، ص36].
فالزكاة لا يستحقها إلا أهل الولاية فقط، ولا تعطى لغيرهم من فقراء المسلمين، أما غير الزكاة من صدقة النافلة، فلا يعطي أحدًا إلا إذا لم يجد من يعطيه من أهل الولاية، وإذا رق قلبه وأراد أن يعطي فلا يعطي إلا البسطاء و"الغلابة" من الصبيان، أو ممن عقله كعقول الصبيان! وإذا أعطى هؤلاء (قليلي العقل) فلا يعطيهم إلا الكسرة من الخبز، أو بعض الهللات، أما السائلون على الطرق والأبواب من "مجهولي الحال" غير المعروفين، فلا يعطون ولا كرامة! إلا إذا كان رق قلبه وكان لا بد فاعلاً فليعطهم اللقمة واللقمتين، والفلس والفلسين مما لا يبلغ رغيفًا كاملاً، ولا درهمًا كاملاً، هذا في حال رق القلب له والأولى ألا يرق، أما الناصب [والزيدية نواصب عندهم فكيف بمن هم دونهم كما في نقل سابق] فلا رقة معه، ولا شفقة ولا رحمة، حتى لو مات جوعًا وعطشًا فليذهب إلى الجحيم! وإن كان غريقًا واستغاث فغطِّسه بالماء ليموت، وإذا كان حريقاً فاستغاث فليحترق لعنة الله عليه.
هذه نصوص موجودة في التراث الشيعي، ولئن قدّر أن انتقدها قوم من أحرار الشيعة وشككوا فيها، فإن سواهم يصر على صحتها واعتمادها (تمامًا كما هو الحال عند السلفيين وغيرهم في نقد المرويات عن المعصوم النبي عند غير الشيعة، والمعصومين من النبي والأئمة عند الشيعة).
كنت في كتابي نقد الخطاب السلفي قد بينت رأي ابن تيمية في المبتدع وأنه يعزّر بأنواع العقوبات حسب المصلحة هجرًا أو أو حبساً أو ضربًا أو قتلاً، ويمنع من الزكاة والفيء تعزيرًا ليرتدع عن بدعته حال كون ذلك نوعًا من العقوبات للمبتدعة (قاتلهم الله) -وهو ما لم ينفرد به ابن تيمية بطبيعة الحال-، وهأنذا أنقل تلك المرويات من تراث الشيعة؛ لأبين للشيعة وغيرهم أن كثيرًا ممن ينتقد داعش ممن يؤمن بظواهر تلك المرويات هم في دواخلهم دواعش وزيادة.
ولئن كان في المرويات السابقة ما يحضّ على قتل المخالف (اغتيالاً) ففي التراث السنّي ما يشبه هذا مع تأسفي البالغ أن يكون هذا في تراث الطائفتين، وسيأتي الحديث عن أشباه هذه الروايات الحاثّة على (اغتيال) المخالف في مقالات قادمة.
ربما يعترض بعض الإخوة الشيعة فيقول إنه ليس كل ما في بحار الأنوار صحيحًا، مع أن هناك ردودًا على هذا، غير أني أتجنب كثيرًا من الجدل حول هذه المسألة، فإن كنت أخي الشيعي لا تؤمن بتلك النصوص وأشباهها في كل تراثك فخطابي ليس موجهًا إليك، رغم أن علينا جميعًا الاعتراف أنها موجودة، وأن هناك من يقول بها، وأنها لم تنل حظها الكافي من النقد الجذري الحقيقي، لكني أقول أيضًا:
يا أخي الشيعي الاثنى عشري الكريم، إن كنت تؤمن بتلك المرويات السابقة وتعتقدها وتصدق بها وتدافع عنها، ثم مع هذا تنتقد داعش وأعمالها الإجرامية، فاسمح لي أن أقول لك
إنك امرؤٌ فيك داعشية.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.