أين أنتم من كل ما يجري على الأرض السورية اليوم من تسابق لاقتسام الكعكة التي أضحت فتاتاً لكل من ساهم في تدنيس وتخريب تلك الأرض اليباب التي كانت ولا تزال هي مهد الحضارة، والحياة الأبدية التي عشنا فيها أجمل أيام العمر، وما زالت تتغنى بحبها وعشقها لأبنائها الذين أحبوها، وأنجبوا فيها زهرات يانعة من الأطفال الذين حصدهم القتل والدمار والرعب تباعاً، وما زال الغالبية منهم يركن -الآن- باتجاه الموت عاري الصدر ينتظر حتفه في كل لحظة؟
لم تمضِ أيام إلاّ وكان ما يحدث في هذا العالم الرحب -الذي نسير يومياً بحسب رغباته، وبإسقاطاته، وبكل ما فيه من ضيق- يدعونا لأن نقف مع أنفسنا، نصارحها، ولو لمرة واحدة.
وهذا ما سوف يطرح العديد من الأسئلة التي تلزمنا بالإجابة عنها، مهما حاولنا حذفها بعيداً عنا، على الرغم من أنها تصيبنا بسهامها في صميم قلوبنا، التي ذاقت مرارة الألم والفراق، والشوق والحنين إلى تلك الديار التي أنهكها أبناؤها، وباعوا كل ما فيها من صور جميلة، وراقية!
في كل مرّة يستوقفني سؤال، يُلحّ بالإجابة: ماذا بعد موجة الخراب والدمار التي حلّت بسوريا؟ وما هو مصير المهجّرين، والنازحين؟
بالتأكيد، هذا أنموذج يختصرُ الكثير من الأسئلة التي نسمعها يومياً، وتطرح باستمرار، ويتناقلها عامّة الناس في الداخل السوري، وهم أكثر الناس عرضةً للمشاكل التي تصاحبهم يومياً!
كثيرة هي التساؤلات التي بحاجة إلى مزيد من السجلات حتى نتمكن من تدوينها، وحل مشكلاتنا، نحن السوريين، الذين عانينا ما عانينا من شقاء، وواجهنا من آلام..
نعم، هي آلام، وآلام مريرة، ويُراد لها حلول تُصاغ بقالب يمكن معها أن نعيد لأهلنا جزءاً من كرامتهم المهدورة، التي للأسف، لم تعد تهم الكثيرين ممن صاروا يحتالون على الواقع الذي يعيشون أيامه بكل سخطٍ، وأنفاسٍ ضيقة.
من خلال تلك المعطيات والأحداث والتطورات، والمعالجات التي يمكن أن تحمل، ولو جزءاً بسيطاً من المعاناة التي استوطنت في أجسادنا، وأجهدت عقولنا، وتحمّلناها على مضض، ونبذتها أعرافنا، وكل ما يمكن أن يهيئ لها الطريق في سبيل أن نعيش حياة فيها الكثير من المصداقية، والحب، والاحترام مع بعضنا بعضاً، يمكن أن نقول إننا ما زلنا نبحث عن الخروج من عنق الزجاجة للعيش بكرامة، وباستحياء مما حل بنا.
وهذا ما يجعلنا تواقين أكثر فأكثر إلى الحب، والاحترام، وهذا أقلّها، للوقوف على ما يجري من ترهات، على الأرض، وفجوة ضيّقة نأمل أن تُسد حتى يتمكن المواطن السوري، الذي عانى ما عانى، من فقر مدقع وإفلاس حقيقي، من أن يستجيب، ويعيش بأمان فيما حوله من أحداث مؤسية، أصابته في الصميم.
وتظل في ذاكرتنا الكثير من المفاهيم والأسئلة المعلّقة التي تحتاج إلى حلول.. والوقوف على الهم السوري الذي لا يمكن أن يعفينا من الإجابة عليها في ظل واقع متردٍ يزدادُ بؤساً يوماً بعد آخر، وبصورةٍ خاصة، بعد التدخل الروسي السافر في الواقع السوري، وآلة الخراب والدمار التي أحدثها، وكل ذلك مجرد نقمة على المواطن السوري الأعزل الذي استفاق على الظلم والذل والخنوع، ناهيك بالفساد والحرمان والجوع الذي عانى وما زال يعاني منه..
سيظل المواطن السوري مرفوع الرأس، ملتزماً بمبادئه، يكفي أنه يحتفظ بكرامته التي لم يسبق وأن سمح لأيٍ كان التطاول عليها، أو تهميش دوره. فهو متربع على عرشه، يعرفُ كيف ومتى يقتنص فريسته.
ولا ننسى في المقابل، أنه إنسان طيّب السريرة، يعرف ماله وما عليه، يخاف الله، متواضع ومحب للآخرين أكثر ما يحب لنفسه. هو هكذا في طبعه، ولا يمكن بحال أن نسلخ عنه هذه الميزة التي جبلها الله في وجدانه..
ويظل حلمه هو أن يعيش بكرامته التي ليس لها ثمن، وهذا أهم ما يُعرف به، برغم الإفلاس المدقع الذي حل به!