كان عيد ميلادها العشرين يقترب يوماً بعد يوم.. وتوقعتُ أن تكون سعيدة ومتحمسة لإتمامها العشرين، لكنني على العكس تماماً وجدتها غاضبة، منفعلة وغير راضية عن كونها أصبحت فتاة في العشرين من العمر بل إنها كلما تكلمنا عن عيد ميلادها وجدتها تقول بنبرة ضيق "ماتفكرونيش كل شوية".. وقد اعتدنا في العالم بوجه عام أن النساء لا يُفضلن البوح بأعمارهن الحقيقية، لكن لم أعتقد أن هذا الأمر أو الفكرة الغريبة امتدت جذورها إلى أن وصلت لمن هم في العشرينيات!
شعرتُ أن هناك مشكلة ما وأنني لا أجد تفسيراً منطقياً لنفورها من فكرة عيد ميلادها فقط لأنه العشرون! فوجدت نفسي أسالها بكل بساطة "إيه اللي مضايقك في كدا؟ "لكنها حين أجابتني شعرت أن إجابتها ذات معنى وتُعد مبرراً لا يُستهان به للشعور بالضيق والغضب، لكن في النهاية كل ما قالته لا يُعد سوى أخطاءً اقترفتها بنفسها ليس لأحدٍ يد بها!
قالت لي "هما العشرين اللي فاتوا ضاعوا في إيه؟" وهنا بدأت مداركي تتسع قليلاً للمشكلة التي تواجهها.. وبدأت أفكر معها في حياتها الماضية فيما أفنتها ووجدت الجواب "لا شيء يُذكر" وفهمت أن ذلك هو ما يؤلمها أو يجعلها تشعر بشيء من الضلال والضبابية! فمن الطبيعي أننا نشعر بقيمة أعمارنا وحياتنا كلياً حين يصبح فيها جديد وأن يكون لها هدف..
المُشكلة أن الكثيرين من أبناء وبنات جيلي أصبحوا غير مدركين لأهمية وجود هدف للحياة، فتجد أغلبهم بلا هواية ولا ميول ولا يصنعون لأنفسهم أهدافاً حتى وإن كانت بسيطة لكنها ستضفي لحياتهم الكثير من الأمل والشغف والمحاولة.. ولست أتكلم هنا عن سن العشرين فقط.. بل عن كل مرحلة عمرية وعن كل "عيد ميلاد" أصبح يصيبنا بالحزن بدلاً من التفاؤل، فالموضوع لا يختص بالشباب ولا بجيل التسعينيات لكنه يضم آلاف الأشخاص من مختلف الأجيال الذين لا يدركون حقاً لِمَ هم على سطح الكرة الأرضية، يقتلهم الملل والروتين ولا يجدون لحياتهم جديداً حتى وإن كانت حياتهم مليئة بالمتع كالمال أو السفر أو العائلة والأصدقاء، لكن ينقصها "المبرر" و ينقصها الهدف.. ينقصها الكثير من الشغف والمثابرة والمحاولة مرات ومرات ثم السقوط ومن بعده القيام مرة أخرى.. فتلك المراحل والأسباب هي التي تصنع من حياتنا شيئاً يستحق البقاء!
لذلك الحل لكل من يكرهون أعياد ميلادهم ولا يشعرون بالإنجازات في حياتهم هو معرفة أن الحياة من حولنا مليئة بالمعارف وسُبل المعرفة في أيامنا أصبحت أكثر وأسهل كثيراً عما كانت عليه من قبل، فلِمَ لا تقوم بالبحث في مجالات شتى حتى وإن كانت مثلاً معرفة لغات جديدة -بغض النظر عن مجال دراستك- وتتوسع معرفةً وقراءةً في مجالات جديدة.. يُمكنك أيضاً تجربة العديد من الأنشطة لعل أحدها يناسبك ويجذبك.. فقد كنت وقبل إتمامي العشرين قد مارست السباحة والكاراتية وكرة الطائرة وكرة اليد وتنس الطاولة ورياضات كثيرة، ولم أشعر بشيء يجذبني كالسباحة.. وما بالك أن تجرب الرسم والكتابة والقراءة أو الموسيقى والعزف.. فهل هناك ضرر من التجربة؟ لعلك تجد نفسك موهوباً أو مُحباً لشيء منها.. أو ربُما الأشغال اليدوية البسيطة التي يمكن أن تتعلمها بمنتهى السهولة الآن عن طريق الإنترنت. من المُجدي أيضاً أن تشترك في أنشطة تطوعية كي توسع نطاق معارفك والأشخاص المحيطون بك، لأن الاجتماعيات تُشكل جزءاً كبيراً من شخصياتنا وحياتنا، وأقترح عليك السفر، فالسفر لا يمضي أبداً بلا فائدة!
لكن دعنا ننتقل الآن إلى النقطة الأهم وهي وجود الهدف والذي ربما ستسنبطه من كل ما سبق والأهم من ذلك هو تعريف الهدف، أنا لا أطلب منك بناء السد العالي مثلاً، لكنني أطرح لك حلاً بأن تجد لنفسك أهدافاً قصيرة المدى تترواح من بضعة أشهر إلى العام وأخرى طويلة المدى تترواح من العام إلى الخمسة أعوام، تلك الأهداف يجب أن تكون موضوعية وقابلة للتحقيق ولا يكفي فقط أن تقل لنفسك "هدفي هو كذا" بل عليك إيجاد الخطوات والسُبل التي ستمكنك من بلوغ ذلك الهدف.. وكلما تمكنت من تحقيق أحد أهدافك لا تقف عند هذا الحد بل اخلق لنفسك شيئاً جديداً يستحق أن تحاول الوصول إليه.. ولا تنسَ مكافأة نفسك فقد قمت بشيء يستحق المكافأة!
فكرة "الهدف" ستجلب لحياتك معنى قوياً بل وتجعلك تشعر بالفخر من نفسك لأنك وجدت مبرراً للبقاء، وجدت السبب الذي خُلقت لأجله فنحن لم نُخلق عبثاً.. لكن بعضنا فقط لم يتوصل بعد إلى سببه الخاص به. الأمر في النهاية ليس صعباً، والفشل والنجاح أمران متلازمان لذلك فلا داعي لليأس و للخذلان، المحاولة لا بد منها مرات ومرات، ودعني أسألك في النهاية ألا يستحق عيد ميلادك القادم وكل أعياد ميلادك القادمة بعضا من السعادة والإنجازات؟!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.