#وجدتُ_حلاً | دنا ثم تسامى

ستتراءى لك الآيات في الخريف وتحاتت ورق شجر الطرقات.. كيف أن هذا الزهوَ والاكتمال قد انتهى وآل على الأرصفة تحطمه الأقدام! وكيف أن بعض القطرات عليها تكفيها لتعيد فيها الحياة وتنعم ببعض غضاضتها بعض الشيء! فتعود لقوتها برهةً من الزمن، تمنّي نفسها أنها لم تسقط عن أمها، وأن الغصن ما زالَ موصولاً بها؟

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/06 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/06 الساعة 05:09 بتوقيت غرينتش

بعد أن يستقر الإنسان في حياته ويشعر أنه يحتاج إلى ما هو أهم وأعلى.. يبدأ يبحث عن هدف سامٍ ومعنىً يتفانى فيه وينقاد لأجله..
والمتأمل الحق في هذا الكون يجد الجمال في كل شيء.. أدقّ الأشياء وجُلّها، أي شيء كفيل بأن يترك الأثر فيه
كلنا نمتلك العيون.. ولكن ليس كل عينٍ ترى
وجميعنا لديه قلب.. ولكن ليست كل القلوب ترهف للجمال وترق له!

ويعلل آخرون أن الجمال أمر نسبي، فما يلفتك ويجذبك قد لا يجذب غيرك.. والعكس صحيح! قد أتفهم هذا في الأمور المادية.. لكن سواها؟
فقد تجد معنى الحياة في تفتق الزهر والورد بداية الربيع.. والندى يتقاطر على البتلات، واليراع يسير بين الحقول والطرقات!
وقد تجده في الغيم المنهمر سحاً وغدقاً يستبشر العباد بقدومه ويهللون له.. وتنتشي الأنفس فرحاً وإن أضرَّهم بسببهم..
حتى في الصيف!.. في لمعة شمس السماء، والحرارة المرتفعة.. في تهادي الحَمام والعصافير.. في لعب الأطفال في الحدائق.. وانسجام المحبين!

ستتراءى لك الآيات في الخريف وتحاتت ورق شجر الطرقات.. كيف أن هذا الزهوَ والاكتمال قد انتهى وآل على الأرصفة تحطمه الأقدام! وكيف أن بعض القطرات عليها تكفيها لتعيد فيها الحياة وتنعم ببعض غضاضتها بعض الشيء! فتعود لقوتها برهةً من الزمن، تمنّي نفسها أنها لم تسقط عن أمها، وأن الغصن ما زالَ موصولاً بها؟

تتجلى في نفس أب يراقب طفله الأول ينمو ويكبر ثم يحبو أمامه وهو يتلعثم بأولى حروفه، كأنّ هذا الأب لم يجد حلاوةَ عيش قط، وكأنّ الأب هو الطفل يجثو معه!
في قلبين متحابين، قد وجدا بعضهما بعد طول بحث وترقب وانتظار.. بكامل يقين اللقاء، وكامل الخوف والشك مما هو قادم! لكن هناك غمامة تجمعهما، يقفان أسفل منها، لا هي مرئية ولا هي محسوسة، بل تطوف بالأرجاء تتلقفها القلوب..

في أستاذ يعطي طلابه، يحرث ويزرع.. يحاول تقريض الأفرع المتيبسة المتحجرة.. ويقلّمها لتكون بحقها وتنمو دون نتوشات أو في طريقها الخاطئ.. بكل حرقته، يحاول!
في فقير لديه عزة نفس أكثر من أي غني المال.. فكان أغنى منه!
في حارس يحرس طريق الوطن.. دون أن يكلّ أو يملّ.. أحبَّ الأرض كأنها روحه، فعاش لأجلها!
في عابد يجلس في صومعته، كأن الحياة كلها هناك.. وكأنّ محراب الحياة لا ينتهي.. وكأن شمس الغد لن تطلع.. وهو يناجي الله وحده!
هذه بعضٌ من بعضِ المعاني.. كثيرة حولنا.. كثيرة لنا.. كما هي كثيرة هي الأشياء التي نحبها ونُعجَب بها..
لكن.. هل طرأ في ذهنك يوماً عن ذلك الحبل الذي يربطك بها؟
وماذا فعلت لتصنع ذلك الحبل فيما لو لم يكن؟
وهل حافظت عليه بعد ذلك؟
هل حميته؟
هل تفانيت فيه؟ لأجله؟
وحين فعلت ذلك.. لِمَ؟
وحين لم تفعل.. لِمَ أيضاً؟

المعاني كثيرة في هذه الحياة.. فما هو معناك؟ وأي نوع من الحبال جدّلته بيديك لتجذب ما أحببته إليك؟ أم اكتفيت أن تكونَ ناظراً ترمقه من بعيد، تكتفي بالاستماع له عن بعد أيضاً، تعيش بعض الأحلام والأمنيات في ضفتك الأخرى دون محاولة اقتراب، ولا حتى تطلب معيناً ينقلك إلى الضفة الأخرى ليرفع منك..
ثم، هلّا ثبّت هذا الحبل جيّداً وحرسته وراقبته من أن يزل.. وأنت تمضي عليه لتصل، عد له كل حين وراقب وصلاته فيما لو اهترأت أو تعبت أو أُتلفت.. أصلحها وواصل المضيّ..
يا كلّ المعاني وأكثرها.. يا كل القلوب وأجملها.. يا كل الفصول وأبركها.. يا كل الأسامي وأندرها.. يا كل الأرواح وأوحدها.. متى تكون؟

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد