سنة 2016.. ما الذي سيحدث؟

بعيدا عن التكهنات في أمور غيبية تحتاج تلك الكرة البلُّورية التي لا تعمل سوى داخل ذاك المنزل القديم المهجور المخيف أعلى التل، فإن التوقع الآمن يكون عادة حول تلك الأمور والأحداث العالمية الحاضرة دائما بقوة على الساحة الدولية.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/03 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/03 الساعة 03:59 بتوقيت غرينتش

بعيدا عن التكهنات في أمور غيبية تحتاج تلك الكرة البلُّورية التي لا تعمل سوى داخل ذاك المنزل القديم المهجور المخيف أعلى التل، فإن التوقع الآمن يكون عادة حول تلك الأمور والأحداث العالمية الحاضرة دائما بقوة على الساحة الدولية.

في عالمنا العربي فإن أهم الأحداث الحاضرة بقوة في حياتنا، هي الحرب السورية والحرب في اليمن، فعلى هاتين الساحتين بالذات سنشهد مزيداً من التوتر وربما مزيدا من العنف والجنون، وسيستمر التحالف العربي بحربه ضد الحوثيين، وستستمر روسيا بقيادة "بوتين" في حربها على كافة فصائل المعارضة السورية حتى لو خرج تنظيم داعش من سوريا، فيما سيكون ذلك وحسب اعتقادي، الطريق الأسرع نحو إيجاد حل لن يكون نهائياً، بحيث نشهد ذاك الاستقرار والعيش الرغيد -على الصعيد النفسي والاجتماعي- ذلك أن الأرض تحت أقدام الثائرين المنتفضين والمتحاربين، غالبا ما تستمر بالتحرك لفترات طويلة جدا قبل أن تهدأ من جديد.

هنا سنجد مزيدا من المهاجرين نحو القارة الأوروبية، وتنامي أعداد تجار البشر ومهربيهم، الأمر الذي سيشكل مزيدا من التحديات الجسام التي ستلقى على كاهل كلٍّ من السياسيين والمواطنين الأوروبيين واقتصادهم، الأمر الذي سيدفع بقوة نحو إيجاد حلول عملية للأوضاع المتردية المزرية في كامل الشرق الأوسط، كل ذلك لن يكون بمعزل عن الوضع الفلسطيني الإسرائيلي، والصراع الدائر هناك، والذي شهد مؤخرا -وخاصة في العام المنصرم- تنامي الوعي الشعبي الأوروبي الذي أثر بقوة على القرار السياسي فيما يتعلق بهذا الصراع، وكيف أننا شهدنا مثلا تلك المقاطعة الأوروبية الرسمية للمنتجات الإسرائيلية عندما منعت كثيرا من الدول الأوروبية تلك المنتجات التي تنتج داخل المستوطنات الإسرائيلية المقامة على أرضي الضفة الغربية بفلسطين.

سنشهد في 2016 أيضاً، الاختفاء المفاجئ لتنظيم "داعش" تماما كما شهدنا ذات الاختفاء المفاجئ لتنظيم "القاعدة" في 2015، هنا وحسب اعتقادي مجددا لن يكون اختفاء داعش نتيجة الانتصار عليه أو توبة منتسبيه عن الإجرام، لا.. بل لأن داعش هذا أدى مهمته التي أنشئ لأجلها، وهي مهمة خلق تلك الفوضى الخلاقة -المجنونة- التي شهدناها خلال 2015 والتي أرادها أولئك الذين أنشأوا داعش، أو ساعدوا على إنشائه.

الحدث الأبرز والذي ربما يستحوذ كالعادة على اهتمام وسائل الإعلام العالمية هو، الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث أعتقد أن الأوفر حظا بالفوز في هذه الانتخابات، هي المرشحة الرئاسية الديمقراطية "هيلاري كلينتون" خاصة وأن العالم بأسره بما بفيه المواطنون الأميركيون بغالبيتهم، لم يعودوا بحاجة إلى تلك الكراهية والعنصرية التي يمثلها المرشح الجمهوري "دونالد ترامب" لقد أُتخم العالم خلال 2015 بالإجرام والكراهية والعنصرية والموت المجاني والإجرام، فما عاد بحاجة إلى المزيد في 2016.

على الصعيد المناخي، فإننا سنشهد نُذُر ما أطلقتُ عليه "البؤس العالمي غير النسبي" هذا المفهوم الذي يتمثل ببؤس عالمي شامل، بحيث لن يكون هناك ثمة فرق بين البائس الذي يعيش في أوروبا أو أميركا، وبين ذاك البائس الذي يعيش مثلا في كينيا، خاصة وأن كلا البائسين يشعر بذلك البؤس جراء ظاهرة الاحتباس الحراري وتطرف المناخ العالمي، حيث إن هذه الظاهرة عالمية شاملة لا يؤثر عليها ذاك الرفاه الاقتصادي والاجتماعي الذي تتمتع به تلك الدولة أو غيرها، بقدر ما هي تتعلق بمناخ الكرة الأرضية ككل ونوعية وكمية الغذاء والماء والثروة السمكية والبروتين الحيواني والحبوب والسلع الإستراتيجية للأمن الغذائي العالمي ككل، حيث سنشهد تلك الدول التي تصدر 80% من إنتاجها الغذائي كالولايات المتحدة الأميركية مثلا، لن تُبقي خلال السنوات القادمة على هذه النسبة بل ستوجه معظمها إلى السوق الأميركي الداخلي، وهنا سنجد مزيدا من المنتجات الزراعية المعدلة وراثياً أو المصنعة مخبرياً.
.تظهر بشكل أكبر، لسد تلك الحاجات العالمية المتزايدة للغذاء، ومثل تلك المنتجات المعدلة لم يعرف تأثيرها الكامل على صحة الإنسان بعد.

سيزيد التعداد العالمي خلال 2016، "60" مليون نسمة إضافية حسب الإحصاءات الأممية التي تتوقع زيادة تقدر بثلاثة مليارات نسمة خلال الخمسين سنة القادمة، وهذا سيتطلب من العالم وفي كل سنة إيجاد المزيد من الرقع الأرضية التي ستحول إلى مراعٍ للمواشي ومزارع تعيش عليها، وهذا بدوره يعني قطع المزيد من الغابات -رئة الأرض الأولى بعد البحار والمحيطات- لتوفير هذه الرقع، وهنا سيزداد إنتاج غاز "الميثان" التي تتسبب به الأنشطة البشرية المتعلقة بتربية الماشية، والذي يعد أحد أخطر الغازات الدفيئة الذي يفوق بتأثيره في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري بثلاث وعشرين مرة تأثير غاز "ثاني أكسيد الكربون" على نفس الظاهرة.

في سنوات قادمة سيصبح مؤلماً جداً إنتاج المزيد من اللحوم وتحدياً كبيراً على العالم، لما لها من تأثير على البيئة والمناخ العالميين، الأمر الذي سيصنع منها سلعة ترفيهية على المستوى العالمي كما يقول خبير الغذاء البريطاني "مورغان غاي" "في الغرب الكثير منا تربى على لحوم رخيصة الثمن ووفيرة، ويعني ارتفاع أسعار الغذاء جراء الضغط على الرقع الأرضية أننا بدأنا نرى عودة اللحوم لتكون سلعة ترفيهية، ونتيجة لذلك فإننا بتنا نبحث عن بديل لسد الفجوة في نقص الغذاء وخاصة اللحوم.

في سنة 2016 بالذات، سنشهد خطوة عالمية كبيرة جداً تجاه خط نهاية عصر المعلوماتية أو المعرفة، هذا العصر الذي بدأ فعليا سنة 1990 مباشرة بعد انتهاء عصر الصناعة الذي ظهر نهايات القرن التاسع عشر، حيث بدأ في 2002 عصر جديد أُطلق عليه "عصر الاقتصاد غير المحسوس" وهو اقتصاد المعلومة، لقد ظلت المعرفة تتضاعف مرة كل سنة لغاية 1990 منذ مطلع سبعينيات نفس القرن، ثم راحت وتيرة المضاعفة بالاضطراد سنة عن أخرى حتى أصبحت في العام 2012 تتضاعف 10 مرات في كل يوم، أما في سنة 2015 فقد بلغت هذه المضاعفة مرات لا يمكن قياسيها تقريباً، الأمر الذي بات يبنذر بانتهاء عصر المعلوماتية هذا، فقد أتخم تماماً.

لقد بات العلماء يتوقعون اليوم بأن ينتهي هذا العصر في سنة 2025، حيث سيبدأ عصر جديد كلياً سينهي مرحلة استخدام الذكاء بشكل مجرد (…) إنه عصر "الحكمة" حيث سيتغلف الذكاء بالحكمة هذه المرة، الحكمة في التعامل مع البشر والبشرية والبيئة والعلوم والمعلومة والسلاح الحروب والاقتصاد (…) وكل شيء سيتغلف بالحكمة.

كلما تفاقم مفهوم "البؤس العالمي غير النسبي" كلما اقترب العالم نحو الحكمة، لقد علَّمنا التاريخ ما إن يكون السوء والويلات أكثر عموماً وانتشاراً حتى تأتي الحكمة، فأوروبا لم تنهض إلا بعد حربين عالميتين اثنتين، بحيث عم الرخاء العالم بأسره، اليوم.. التاريخ يعيد نفسه تقريبا خلال حرب عالمية ثالثة، لكنها كانت وما زالت حرباً معلوماتية بامتياز، أخذت العالم نحو البؤس من جديد، وهو الذي سيحرك العالم نحو الحكمة وعصرها بقوة، وسنشهد ذلك جلياً خلال 2016.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد