إنك امرؤ فيك داعشية .. “2” نظرة في تراث الشيعة

قلت في المقالة الأولى إن كثيرين ممن ينكرون على داعش هم داعشيون وزيادة، وإذا كانت داعش - ومليشيات أخرى غير سنيّة - تفعل أفاعيلها تلك في سياق الحرب والمعركة؛ فإن في كثيرين ممن ينكرون عليها يؤمنون بما هو أشنع مما تفعله.

عربي بوست
تم النشر: 2016/01/03 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2016/01/03 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش

قلت في المقالة الأولى إن كثيرين ممن ينكرون على داعش هم داعشيون وزيادة، وإذا كانت داعش – ومليشيات أخرى غير سنيّة – تفعل أفاعيلها تلك في سياق الحرب والمعركة؛ فإن في كثيرين ممن ينكرون عليها يؤمنون بما هو أشنع مما تفعله، ويظن كثير من الناس أن تراث ابن تيمية هو المشحون بالأقوال الدافعة إلى العدوان على المخالف (المسلم) دون غيره من تراثات الفرق الإسلامية الأخرى، والحق أن تراث الأمة بكل طوائفها فيه هذا البعد "الإجرامي الأثيم" ضد المخالفين باسم الله وباسم الدين وباسم الحق والعقيدة الصافية، سواء أكان على يد دولة أو على يد أفراد، لا لشيء إلا لادعاء الحق المطلق، الادعاء الذي يتجاوز المسائل الكلامية والفلسفية إلى إباحة دم المخالف واستحلال ماله وعرضه.

يستطيع كل أحد أن يزعم أن تلك النصوص التي في تراثه نصوص ضعيفة، أو تاريخية، ويستطيع أن يتعسف في تأويلها كما يشاء، لكننا لا نجد نقدًا حقيقيًا نابعًا من داخل المذاهب لتلك النصوص إلا نادرًا، وإذا خرج من ينتقدها تصدى له غيره من أتباع المذهب نفسه ليوهي كلامه وليهاجمه وليتهمه بخيانة الأصل وبـ"البدعة والانحراف"، وليثبت له أن تلك النصوص ثابتة وليسرد له من الأدلة والحجج ما يدحض نقده، وحتى لو كان هناك نقد فهو ليس نقدًا ينتشر ويسود، بل السائد خلافه مع الأسف (والنقد غير مرحب به عند جميع الطوائف!).

كتبت في نقد الخطاب السلفي كتابًا كبيرًا، هو من قبيل "النقد الذاتي"، النقد لجوانب كثيرة من الفكر الذي عشت به وعليه سنين عددًا، فكري أنا شخصيًا، وفكر أهلي وعشيرتي من أهل السنة. وهأنذا في هذه المقالة أتناول -للمرة الأولى- نقد إخوتي المسلمين من الشيعة الاثني عشرية، وما حملني على هذا نزاع مذهبي ولا اختلاف طائفي، إلا مراجعة التراث الذي نتشابه فيه جميعًا رغم اختلافنا! فنحن وإن كنا نختلف كثيرًا فيما يبدو إلا أننا متشابهون جدًا في الأعماق، نحن متشابهون جدًا فيما وراء هذا الاختلاف الظاهر.

أخرج في بحار الأنوار بسنده عن أبي جعفر عليه السلام (محمد الباقر) قال عن القائم (المهدي) لما يعود: "يقوم بأمر جديد، وكتاب جديد، وسنة جديدة، وقضاء جديد، على العرب شديد، وليس شأنه إلا القتل لا يستبقي أحدًا، ولا يأخذه في الله لومة لائم" [المجلسي، بحار الأنوار، دار إحياء الكتب الإسلامية: إيران/ قم المقدسة، الكتاب الثالث عشر، ص 317].

فالمهدي القائم إذا بعث عند الإخوة الشيعة "ليس شأنه إلا القتل لا يستبقي أحدًا"!
وأخرج في بحار الأنوار كذلك بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال عن القائم حين يبعث: "ما لمن خالفنا في دولتنا من نصيب، إن الله قد أحل لنا دماءهم عند قيام قائمنا" [الكتاب الثالث عشر، ص 383]. فمخالفو "المعصومين" حلال الدم، لمجرد المخالفة -حين يخرج المهدي القائم- كما هو ظاهر هذا النص والذي إن سلّمنا بمعصومية قائله -ولا أقول أنا بهذا ولكنه تسليم جدلي- فمن ذا يسلّم بمعصومية الرواة؟

ربما يقال إن مثل هذه الأخبار هي من قبيل "التنبؤات وعالم الغيب"، لكن ما القول حين يقال في الولي الفقيه إنه يتولى عن المهدي في غيبته ما يصح هو أن يتولاه المهدي نفسه في قيامه وبعثته، فللولي الفقيه ما للقائم الغائب من صلاحيات، (وإن كان الخلاف قائمًا بين السادة الشيعة بين إطلاق الولاية وتقييدها لا فيها هي أصالةً). فإذا عصى الولي الفقيه شرعة المعصومين عزل تلقائيًا، لكن ما أخبار قتل المخالفين الذين يسمونهم "النواصب" وغيرهم -كما سيأتي-؟ أهو مخالف للـ"معصومين" عليهم السلام؟

فانظر مثلاً وفي بحار الأنوار ذاته بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام (جعفر الصادق) أنه سأله عمر بن يزيد عن الصدقة على الناصب وعلى الزيدية فقال: "لا تصدق عليهم بشيء، ولا تسقهم من الماء إن استطعت"!، قال عمر بن يزيد: وقال لي (أي الإمام جعفر): "الزيدية هم النُّصَّاب". [الكتاب التاسع، ص 400].

فإذا كان حال الزيدية هكذا -وهم شيعة- لا يُتصدق على فقيرهم، ولا يستحقون حتى جرعة ماء إن ظمئ أحدهم، فما القول فيمن منزلتهم أشد شناعة -عند الإخوة الاثني عشرية- من الزيدية؟
لا يزال هناك نُقُول أخرى، نكمل في المقالة القادمة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد