لا أعلم لماذا تأخرت معرفتي بكاتب ومفكر ورجل عظيم مثل عبدالوهاب المسيري.. ربما قد قدر الله عز وجل لي أن أعرف هذا الاسم في مرحلة عمرية معينة، وبعد أن وصلت لمرحلة فكرية معينة، وبعد مسالك متعددة سلكتها طوال السنوات الخمس الماضية، ولأن الصدفة خير من ألف ميعاد فقد كانت معرفتي بهذا الاسم صدفة حقيقية بارك الله فيمن كان السبب فيها.. ألا وهو الشيخ محمد العوضي، فقد كنت ذات يوم أبدل قنوات التلفاز واحدة بعد الأخرى حتى استقر بي المقام على قناة اقرأ وأذكر وقتها أنني قد لحقت بآخر حلقة من برنامج للشيخ محمد العوضي كان يتكلم فيه عن بعض عظماء الإسلام فكانت حلقة ذلك اليوم حول عبدالوهاب المسيري الذي قال فيه الشيخ العوضي كلمات جميلة وهو يضع جميع مؤلفاته أمام الشاشة، ولعل كثرة هذه المؤلفات هو ما جذبني لهذا المفكر العظيم..
ولأن الصدفة مكتوبة فقد سألني الصديق صلاح الفرجاني ذات مرة ونحن في العمل ما إذا كان لدي نسخة إلكترونية من كتاب رحلي الفكرية لعبد الوهاب المسيري، فأجبت بالنفي ولكنني قلت إنني سأبحث لك عنه وقد حدث بالفعل، فقمت بتحميل الكتاب وبدأت في قراءته فيما بعد قبل أن أحصل على نسخة ورقية منه زادت من تعلقي بالكتاب، ولارتباطي بكتب أخرى بحكم عضوية في نادي الكتاب والثقافة بجامعة طرابلس وبحكم أن الكتاب لم يكن مجرد سيرة ذاتية تسرد الأحداث فقد استلزم الكتاب مني 4 أشهر عشتها بتأنٍ ومتعة مع هذا الكتاب الرائع، لم يضاهِ هذا الكتاب روعة إلا كتاب علي عزت بيجوفيتش "الإسلام بين الشرق والغرب" والذي قدم له عبدالوهاب المسيري إحدى طبعاته، هذه قصتي مع الكاتب..
أما قصة الكتاب نفسه فهي روائع لا يمكن تلخيصها إلا عندما تتوقف مع نفسك لحظة تفاعلك مع قراءة حروف هذا الكتاب، تلك اللحظة التي تحسب فيها بأنك تتلقى سنوات طويلة من العمر الفكري للمؤلف، وهو يقف على قاعدة متينة يشعرك فيها بأن هناك من امتلك ناصية فكرية واسعة يستطيع بها أن يواجه من أراد.
رحلة عبدالوهاب المسيري وسيرته الذاتية غير الموضوعية بين البذور والجذور والثمر
شملت الأدب و قصص الأطفال والسياسة والفكر وشغفه الكبير الذي سخر له ربع قرن من حياته ألا وهو كتابة موسوعة الصهيونية.
شملت هذه السيرة المكتوبة آراء وقضايا لا يجرؤ على فتحها الكثيرون، ربما لأن لا طاقة لهم بها، لكن المسيري يفتحها وبقوة ليتملكها بعقل وفكر متين ومعرفة واسعة.
هذه السيرة الذاتية شملت كل ما مر به المسيري من قضايا وأفكار وأحداث ليعطينا رؤيته حول القضايا الشخصية أيضاً وليس القضايا الفكرية العامة فقط.
ربما تأثرت بنهاية الكتاب لأنني أقرأها وأنا أعلم أن عبدالوهاب المسيري قد توفي إلى رحمة الله تعالى بعد سنوات قليلة من نشر هذه السيرة الذاتية.
لكن سيرة هذا الرجل ستظل لسنوات شاهدة على رجل عظيم علماً وعملاً، فكراً وتنفيذاً.
رحم الله عبدالوهاب المسيري وأسكنه فسيح جناته وجازاه عما أحسن خير الجزاء وعفا عما أخطأ .
أنصح الجميع بقراءة هذا الكتاب..
يتبع مع كتابه القادم "العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة "
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.