أؤمن بمقولةٌ يردّدها الأميركيون كثيراً، What doesn't kill you makes you stronger، أي "ما لا يقتلك يجعل منك أقوى".. هذه المقولة صحيحةٌ إلى حدٍّ كبير! ومن المناسب الافتكار بها أثناء خوض الأيام الأخيرة من العام 2015 الّذي أعلم يقيناً أنّه كان صعباً على القسم الأكبر من القاطنين في في سورية، لبنان، فلسطين، العراق، مصر، تونس، اليمن، ليبيا، وجميع الدول العربية الّتي تعاني ألماً نتيجة كونها فريسة القوى الكبرى ومطامعها غير القابلة للإشباع.
أمّا عن سبب تعليقي على موضوع الأيام الأخيرة من العام، فقد يتراوح اهتمامي الشديد بهذه الفترة الزمنية من كلّ سنة بين أسباب شخصية تتعلق بذكرياتٍ ومناسبات محدّدة، ونتيجة إيماني بأنّ على كل شخصٍ اتّخاذ أيّام كلّ بضعة أشهر للتأمُّل فيما أنجز وما عانى خلال الفترة المنصرمة ليجعل من الفترة اللاحقة وصولاً إلى المرحلة ذاتها من العام أكثر مرونةً وصلابة في ذات الوقت.
عامٌ قاسٍ قد يكون خيراً من أعوامٍ يسيرة!
لا أؤمن بأنّ من الأعوام ما هو مثمرٌ وما هو عقيم، فالأعوام السهلة الّتي تمرُّ دونما عائق قد تكون أقلّ نفعاً وأكثر فقراً بالدروس الحياتية الّتي تكفل للإنسان صلابة أكبر ومرونة أكثر في التعامل مع العقبات الّتي يُفترش بها طريق الحياة. ولكنّها في ذات الوقت أعوامٌ نذكرها دوماً بأنّها كانت أيّام سلامٍ داخليٍّ وراحة بال مررنا بها في عصر يعتمر بضغوطات العمل والحياة.
من خلال معايشتي للواقع السوريّ المرير في أكثر من مدينةٍ عانت كلٌّ منها من آلام مشتركة بدرجات متفاوتة، رأيت انعكاس الأمر -بطبيعة الحال- على نفسية المواطن السوريّ بشكل كبير، سواء كان ربّ أسرةٍ أو سيدة منزل أو رجال وسيّدات أعمال وشباباً وأطفالاً، وهذا الأمر قد يكون سهل الاستيعاب نتيجة التأثير المباشر للتقهقر الاقتصادي والاجتماعي والأمني على مستوى معيشة الفرد وبالتالي شخصيته. لكنّ ما يستوجب احتسابه ولو ضمن هذي الظروف هو أنّ الأيّام الّتي تمضي لن تعود أو تعوّض، وأنّ الاختبارات القاسية هيّ الّتي تعطي استقراراً وثباتاً في المستقبل.
والحياة المستقرّة هي حياةٌ خالية من الضربات غير المحتسبة بأكبر قدر ممكن، والتخلّص من المفاجئات غير السارّة ليس أمراً يتمّ بلوغه بالتنجيم والتنبّؤ إنّما بعد مكابدة الشدائد والتعلّم منها بأكبر قدر ممكن. فعلى صعيد المجال الّذي أعمل به، الإعلام، لا يوجد فرصة أمثل للصحفي حتّى يكتسب خبرةً عملية فريدة من العمل في ظروف الحرب والأزمات الضاغطة. كذلك الأمر بالنسبة للأطباء الّذين يعملون في مجال الطوارئ أو هؤلاء العاملين في سلك التنمية البشرية … إلخ..
كيف تستثمر نهاية العام بالشكل الأمثل؟
تذكّر الامور الّتي جرت خلال العام المنصرم وتركتك ممتنّاً أو أثّرت بشكل إيجابي على حياتك، فالامتنان شعورٌ صحيّ ومنتج بشكل كبير بحسب دراسات علمية متعدّدة. تذكّر أيضاً كل العقبات الّتي صادفتك خلال 12 شهراً وما الدروس الّتي تعلّمتها منها، سواء كانت عراقيل مهنية أو مشاكل اجتماعية أو ربّما مجرّد مواقف محبطة أو مخيبة للآمال. تميل الأحداث لتكرار نفسها ولا ينبغي على الإنسان أن ينتظر بلوغه سن الستّين أو السبعين حتّى يرى أنّه قد بات مخضرماً في الحياة.
وضع قائمة بتعهّدات يأخذ الإنسان على عاتقه تطبيقها خلال العام الجديد، أي ما يسمّيها الأميركيون New Year Resolutions ، فرصةٌ ثمينةٌ لتغيير بعض العادات غير النافعة واكتساب بعض الخصال الأكثر نفعاً، كما قد تكون دافعاً لأخذ درب جديد مهنياً أو اجتماعياً أو تعليمياً، ولربما تقتصر على تحسين بعض الأمور الحياتية، كالقراءة أكثر، تعلّم لغة جديدة، اكتساب هواية أضافية.. وغيرها من الأمور الّتي حينما تصل إلى الأسبوع الأخير من العام التالي ستلمس التغيير الّذي طرأ على حياتك بشكلٍ واضح وتشجّعك لصياغة قائمة جديدة والالتزام بها أكثر للعام الجديد وهكذا حتّى تكون أكملت سعيك نحو الأفضل ببذل أكبر قدر ممكن من الجهد.
لن يكون المجتمع المحيط رقيباً صالحاً عليك بقدر ما ستكون أنت حكماً صادقاً على الفترة الّتي مررت بها، وعارفاً بكل جوانبها وذيولها، مما سيمكّنك حتماً من أخذ القرار وإحداث التغيير فوراً حتّى تعيش سلاماً داخلياً يدوم حتّى لو لم تكون ظروفك المحيطة سليمةً بشكل كبير.
ليست حزمة من الأيّام كفيلة بتقرير مصير شخصٍ أو تغيير حياته، لكنّ اتّخاذ الأيام الأخيرة من كل عام للافتكار في ما مضى وتلخيص كافّة الدروس الّتي اكتسبها الإنسان خلال 12 شهراً أمرٌ سيساعد حتماً على جعل دزّينة الأشهر القادمة أفضل وأسهل وأكثر خلوّاً من المفاجئات غير المحتسبة.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.