داخل مدرسة حكومية يعود بناؤها لعشرات السنوات في مدينة نابلس، شمال الضفة الغربية، وبإمكانيات لا تتعدى الوسائل التعليمية البسيطة، وبإرادة حديدية وطاقة لا حدود لها، تأسر المعلمة فداء زعتر بروحها المرحة وأساليبها المتحررة من التقليد في طرق التدريس، ألباب طالباتها، خلال إعطائها الحصص الدراسية للصف الأول الابتدائي.
جائزة أفضل معلم
تلك الروح والقدرات التي ميّزت فداء منذ عملها في سلك التدريس قبل 15 عاماً، كانت كفيلة بأن توصلها للتميز العالمي، وتكون من بين أفضل خمسين معلماً ومعلمة حول العالم، وتترشح لجائزة أفضل معلم بالعالم ضمن مسابقة (غلوبال تيتشر برايز) في بريطانيا، التي تصل قيمة جائزتها مليون دولار للمعلم الفائز.
وأطلقت مؤسسة "فاركي" في دولة الإمارات العربية المتّحدة، هذه الجائزة، التي تمنح لأفضل معلّم في العالم، وتبلغ قيمتها مليون دولار أميركي تُمنح للمعلم الذي سيتم اختياره من بين المرشحين.
اختيرت فداء التي تعمل مُدرسة للصف الأول في مدرسة الخنساء الأساسية للبنات في نابلس، بناء على إنجازاتها التراكمية، ضمن 11 معلماً فلسطينياً للمشاركة بالمسابقة التي تقدم لها أكثر من 8 آلاف معلم حول العالم، ليتم اختيار 50 معلماً منهم فيما بعد، ثلاثة منهم فلسطينيون ومعلم أردني، ليكونوا هم الأربعة المدرسون العرب الذين تمكنوا من الوصول لهذه المرحلة.
وسائل ولوحات تعليمية
داخل غرفة الصف التي امتلأت بالوسائل واللوحات التعليمية التي صنعتها فداء، وعلى أنغام أغاني الأطفال، بدأت المعلمة حصة الرياضيات بحضور فريق الأناضول.
أجواء من المرح والسعادة واستقبال ممتع للمعلومة واستيعابها، رقصات وأغانٍ ترافق كل إنجاز يقمن به الطالبات الموزعات ضمن مجموعات متجانسة بحسب قدراتهن، وشرح للمادة باستخدام مهارات ولوحات تعليمية تتناسب مع اختلاف القدرات، انتهت الحصة دون أي شعور بالملل.
فداء التي "ناضلت" لتكون معلمة الصف الأول الأساسي، بحسب قولها، لتزرع فيهم القيم والأخلاق والقواعد والنظام في أولى مراحلهم المدرسية، وصفت لحظة علمها باختيارها ضمن أفضل خمسين معلما بالعالم بـ"الصدمة".
وقالت:"كانت صدمة كبيرة عندما وصلتني الرسالة باختياري ضمن أفضل خمسين معلما، خاصة أنه تم اختيار ثلاثة معلمين فلسطينيين، ومعلم أردني، أي أننا نحن الأربعة فقط من نمثل العالم العربي في هذه المسابقة، وهذا فخر كبير لنا".
تواصل حديثها للأناضول وتقول: "فلسطين برغم صغرها وقلة إمكانياتها تم اختيار ثلاثة معلمين منها، بالمقابل اختير ثلاثة من بريطانيا وثلاثة من اليابان، ودول أخرى كبيرة لديها إمكانيات وقدرات لا تقارن بإمكانياتنا المتواضعة".
وأوضحت المعلمة أن المسابقة بدأت عبر مراحل، حيث بدأت بترشيح نحو 8 آلاف معلم حول العالم، أُختير منهم 50، وفي المرحلة المقبلة سيتم اختيار عشرة معلمين، وتنتهي باختيار أفضل معلم بالعالم".
وحول تطلعها للوصول للقب أفضل معلم قالت فداء "بداية لم يخطر ببالنا أنه سيتم اختيارنا فعلا ضمن أفضل خمسين معلماً، ليس لعدم ثقتنا بأنفسنا أو قدراتنا، لكن عندما كنا نقارن الإمكانيات والقدرات والوسائل التكنولوجية المتاحة لنا مع الدول المتقدمة بالعالم وحتى الدول العربية الأخرى، كنا نلحظ الفرق الشاسع فيما بيننا".
وأضافت:"نحن الآن نتطلع للمرحلة المقبلة وهي (Top 10)، وأسأل الله أن يكون أحدنا نحن الفلسطينيون الثلاثة من بين هؤلاء العشرة، لنرفع اسم فلسطين عالياً".
جائزة المليون دولار
وبحسب أرقام صادرة عن وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، يبلغ عدد المعلمين العاملين في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، قرابة 44 ألف معلم ومعلمة، يدرّسون أكثر من مليون طالب وطالبة.
وعن طموحها حال حصولها على لقب أفضل معلم وجائزة المليون دولار، فقالت: "هذا السؤال كان أحد البنود في تعبئة استمارة المسابقة، وقد كتب بجواره أن المبلغ هو حقك الشخصي، لكن بالنسبة لي، أتمنى أن أحقق حلم حياتي بتأسيس مدرسة تتوفر فيها المواصفات كافة، غرفة للألعاب والمصادر والموسيقى وغيرها، وتحتوي على ملعب كبير يكون بمثابة نادٍ ومتنفسٍ للأطفال حتى بعد انتهاء الدوام".
وأضافت: "لو حصلت على المليون، سأعمل على مساعدة المدارس المحيطة التي لم يحالفها الحظ بالحصول على أجهزة الكترونية، وأسعى جاهدة لتوفير أجهزة لابتوب وشاشات عرض في الصفوف".
وتابعت: "هدفنا كمعلمين فلسطينيين ليس مادياً، وإنما أن نصدِّر اسم فلسطين على قائمة الشرف، وهذا ما جعلنا منذ بداية اختيارنا أن نتعاون سوية، لننقل الصورة المشرقة للمعلم الفلسطيني والشعب الفلسطيني في العالم، بأننا شعب مثقف نعشق الحرية والسلام".
وترشحت المعلمة فداء زعتر للجائزة إلى جانب المعلمة في مدرسة بنات سميحة خليل الثانوية بمحافظة رام الله والبيرة (وسط الضفة)، حنان الحروب، والمعلم بمدرسة مغتربي بير نبالا في ضواحي القدس، جودت خليل صيصان.