تنطلق الموسيقى التصويرية للبرنامج.. يظهر المذيع أو المذيعة متهللَين وهما يبشران الجمهور، الذي يقتحم التلفزيون حجرات نومهم مع أطفالهم، ليقولوا لهم: "لدينا سبق".. حصلنا على صور إباحية للسياسي فلان.. معنا تصنت على السياسي أو الناشط فلان.. هاكم الحوار الذي "تصنتنا" عليه بين (س) و(ص)!
ليس سراً أن الكثير مما يجري فضحه في "إعلام غرف النوم"، الذي انتشر بشراسة في مصر تسانده أجهزة هنا وهناك في صراعها مع بعضها بعضاً، ولكن الغريب حقا أنه يحدث في فضائيات رجال الأعمال الخاصة الذين اجتمع 10 منهم منذ عدة أشهر ودشنوا كياناً خصوصيا لهم يسمى "غرفة صناعة الإعلام لمراقبة الإساءات" في الإعلام، بينما فضائياتهم هي ما يصدر عنها الإساءة والعيب!
أشهر "الشرشحات" الإعلامية
بدأ هذا النوع من "إعلام غرف النوم"، في عهد "مبارك" ولكنه تطور عبر صحفي مغمور معروف علاقته بالأجهزة الامنية مع انتعاش "الثورة المضادة" ضد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، عبر نشر مقاطع من مكالمات هاتفية لسياسيين، ربما لقنصهم أو تدجينهم، واتهمه إعلاميون آخرون بأنه يشتهر بهذه المقاطع الصوتية المسربة له من أجهزة أمنية.
ثم طفحت مجاري هذا النوع من "الشرشحة" الإعلامية، وبات من يطلقون على أنفسهم اسم "إعلاميين" يتسابقون في نشر الفضائح والأكاذيب، والتسريبات، لأهداف بعضها معلوم وبعضها غير معروف، وطالت السهام اللاأخلاقية العديدين، والأخطر أنها اقتحمت البيوت بتأثيرات أشرس وأخطر من الأفلام الإباحية.
ومع الوقت، وعندما لم يجد هؤلاء "المذيعون" ما ينشرونه من فضائح عن بعض السياسيين والفنانين، بدأوا في نشر فضائحهم هم كإعلاميين ضد بعضهم بعضاً، لنجد مذيعاً يطل على فضائية يتهم الآخر بأنه يتعاون مع جهاز أمني يمده بما يبثه طلباً للشهرة، ويرد عليه الثاني بأنه "يفعل مثله"، ومع خناقات "لصوص الإعلام" ظهر للجمهور "المسروق"!
"صلح" الكباب والكفتة
الأكثر غرابة أنه عقب كل "فضيحة"، يظهر المذيع لاحقاً مع من فضحه من السياسيين على "عشاء كباب وكفتة" أو "حفل" للصلح بينهما، ويختفي أثر الفضيحة ولا أحد يحاسب أحداً.. لا المذيع على الجرائم الأخلاقية التي ارتكبها ببث هذه الصور والفضائح، ولا من تم فضحه بالمستندات، ونادراً ما نسمع أن أحداً تمت محاسبته على ما تم كشفه!
"فوضى" لا حد لها، تقتل أبجديات "الإعلام الأخلاقي"، وتقتحم "غرف النوم" للمواطنين بأبشع الألفاظ، وتنقل لهم قيماً "غريبة" عنهم، وتبدل قيماً أخلاقية موجودة بأخرى فضائحية وافدة، حتى أصبح الأمر نهجاً ولغة جديدة عنوانها: "افضحني شكراً"، ولا أحد يحاسب الفاضح أو المفضوح!
ومع الوقت، اختلطت حرية الرأي والتعبير بانتهاك خصوصية الآخرين، وكبر حجم الجريمة الأخلاقية والقانونية التي يرتكبها بعض من يطلقون على أنفسهم "إعلاميين"، وسط غياب حقيقي للأجهزة المحاسبية على هذه الجرائم التي يتحمل وزرها في النهاية "المجتمع".
أما ما قيل -بالمستندات والصور- فأهيل عليه التراب ولم يحقق فيه أحد، لأن الهدف ليس "أخلاقياً" أو "محاسبياً" وإنما انتقاميا أو تصفية حسابات بين جهات وأجهزة يجري استخدام هؤلاء المذيعين فيها كأحجار على رقعة الشطرنج، ومن ثم يحميهم من سربوا لهم الفضائح على طريقة "الدفاتر دفاترنا والورق ورقنا"!
القائمة تطول من هذا المذيع الذي نشر صوراً عارية لمخرج شهير ثم اعتذر له بعد عشاء كباب وكفتة، إلى آخر بث مقاطع صوتية مسربة له من أجهزة أمنية لسياسيين مؤيدين ومعارضين، ثم المذيعة التي سرقت صوراً مخلة من موبيل ضيفتها وهددتها ببثها على الهواء لتبتزها لأنها اعترضت على ما قالته عنها.. نماذج مقززة لا علاقة لها بالعمل الإعلامي وإنما بأفلام وإعلام الفضائح السفلي.
لم نصل إلى هذه المرحلة من التدني الأخلاقي إلا عندما وجد هؤلاء أنه لا أحد يحاسبهم على الهبل والكذب الإعلامي الذي بثوه بداية من المذيع الذي ادعى أن مصر اعتقلت قائد البحرية الأميركية وتتحفظ عليه في مكان أمين(!)، إلى المذيعة التي أعدت حلقة عن "فتيات الليل في مصر"، ثم تبين أنها استأجرت فتيات ليظهرن كفتيات ليل في البرنامج تحت أسماء مستعارة وإخفاء ملامحهن تماماً، وحققت النيابة، وهربت المذيعة من مصر ثم عادت وكأن شيئاً لم يحدث!
لهذا لم يعد المصريون يسمونها برامج "توك شو" أي برامج حوارية، وإنما "توك شوز" نسبة إلى كلمة "أحذية"، ويسخرون منها، لأنه ما معنى أن تخرج مذيعة لتعلق على حادثة التحرش الشهيرة بميدان التحرير أثناء تنصيب السيسي، لتقول: "مبسوطين بقى خلي الشعب يهيص"!
المشكلة ليست في القوانين لأنها تحدد العقوبة، ولكن فيمن يطبقها.. فالمادة 57 من الدستور المصري تنص على أن "للحياة الخاصة حُرمة، وهي مصونة لا تُمَس وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حُرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مُسبب، ولمدة محددة، وفي الأحوال التي يُبينها القانون".
أيضا المادة 309 مكرر من قانون العقوبات تنص على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنة"، كل من: "استرق السمع أو سجل أو نقل عن طريق جهاز من الأجهزة أياً كان نوعه محادثات جرت في مكان خاص أو عن طريق التلفون"، أو "التقط أو نقل بجهاز من الأجهزة أياً كان نوعه صورة شخص في مكان خاص".
وتنص نفس المادة على أن "يعاقب بالسجن مدة لا تزيد عن خمس سنوات كل من هدد بإفشاء أمر من الأمور التي تم التحصل عليها بإحدى الطرق المشار إليها لحمل شخص على القيام بعمل أو الامتناع عنه".
فهل عوقب أحد من مذيعي إعلام غرف النوم؟ أم أن الحساب على صاحب "المحل"؟
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.