"سنة 501: الغزو مستمر"، هو عنوان إحدى أعمال المفكر الأميركي وعالم اللسانيات نعوم تشومسكي، والكتاب يتطرق لواقع دول أميريكا الجنوبية وأميركا اللاتينية بعد مرور 500 سنة على تاريخ اكتشاف أمريكا (نتحدث عن التاريخ الرسمي لاكتشاف أميركا، لأن هناك روايات تاريخية مضادة ومُقوّضة لهذه الرواية الرسمية) من خلاصات الكتاب ـ والإحالة بالتالي على عنوانه ـ أن سياسة الغزو مستمر هناك في القارة الأميركية، الجنوبية واللاتينية: كانت السياسة الاستعمارية قائمة بالأمس مع الجيوش التي تلت "غزوة" كريستوف كولومب، وما زالت مستمرة اليوم من خلال أداء الإدارة الأميركية، ومعلوم صراحة وجرأة تشومسكي في نقد صناع القرار هناك في المجال التداولي الأميركي. في هذا السياق نتحدث عن استمرار "الصراع على الإسلام"، وتجلت معالم هذا الصراع على الخصوص في حقبة ما بعد اعتداءات نيويورك وواشنطن سيئة الذكر.
لا نعتقد أنه سبق للصراعات الثنائية بين المسلمين أن وصلت إلى الصدامات القائمة اليوم، وما يزيد الصورة تعقيداً، أنها تتم اليوم بأدوات المسلمين أنفسهم، من عرب وفرس وأتراك واللائحة تطول. كما أنها تتم في عقر المجال التداولي الإسلامي، وليس في باقي المجالات التداولية (الغربية نموذجاً). "الصراع على الإسلام" للتذكير، هو عنوان أحد أعمال المفكر والمترجم اللبناني رضوان السيد، وتطرق في مضامين عمله القيّم هذا إلى أهم المُحدّدات التي تغذي هذا الصراع، منها القوى الداخلية والقوى الخارجية (ولخصَ هذه الأخيرة على الخصوص في القوى الغربية بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، والمستشرقين).
ولكن يهمنا أكثر التوقف عند أهم نقاط المُحدّدات الداخلية، ولخصها السيد في قوى التقليد الإسلامي، وقوى الإصلاح والتحديث، قوى الإحياء الإسلامية (مُجمل الحركات الإسلامية، السياسية و"الجهادية")، وأخيراً، الأنظمة الحاكمة. لأننا أبناء زمن الظاهرة "الداعشية"، فقد اتضح جلياً أن ما تطرق إليه رضوان السيد في "الصراع على الإسلام"، وتحديداً في الشق الخاص بالمُحدّدات الداخلية، أصبح واقعاً لا يرتفع، لأنه من الصعب اليوم اختزال الحديث عن الظاهرة "الداعشية" -مثلاً- دون توجيه النقد أو اللوم إلى لائحة من الدول الشرق الأوسطية التي تورطت في تغذية وتمويل ودعم الظاهرة.
أشرنا سلفاً إلى أن معالم هذا الصراع على الإسلام برزت بشكل جلّي بُعيد اعتداءات نيويورك وواشنطن (ليس صدفة أن يكون كتاب رضوان السيد سالف الذكر مؤرخ في 2004)، وازدادت معالم هذا الصراع استفحالاً بعد اندلاع أحداث "الربيع العربي"، والتي أفضت، حتى اليوم، إلى التأسيس لما يُشبه محاور استراتيجية (سياسية وأمنية ودينية)، في داخل الرقعة الإسلامية، تساهم إطالة عمر هذا الصراع.
لقد تجاوزنا مقام "القابلية للاستعمار" الذي سَطّر معالمه الإصلاحي الجزائري مالك بن نبي، وهو المقام الذي أفضى إلى تكريس واقع الاستعمار الإمبريالي الذي طال أغلب دول المجال التداولي الإسلامي، وطرقنا اليوم حقبة "ما بعد الاستعمار" بتعبير عالم المستقبليات المغربي المهدي المنجرة، ومن معالمه تكريس العديد من سياسات حقبة الاستعمار إياه، ولكن في قالب "استقلال الدولة الوطنية"، وأخذاً بعين الاعتبار مُقتضى "الصراع على الإسلام"، لنا أن نتخيل معالم هذا الصراع الإسلامي/ الإسلامي السائد اليوم والخدمات التي يُقدمها للمستعمرين الجُدد. لنا أن نتخيل أيضاً، ونحن الذين ننتقد تطرف بعض المستشرقين، معالم صورة الإسلام والمسلمين هناك، في المجال التداولي الغربي، وخاصة لدى الخاصة (صناع القرار الأمني والسياسي) ممن يوظفون مقتضى هذا الصراع خدمة لمصالحكم، أولاً وأخيراً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.