رسالة إلى سيدي أبي القاسم

سيدي أبا القاسم، أود أن أعترف لك بحبي لكلمة الله وروحه عيسى بن مريم، ولكليم الله موسى، ولخليفة الله داوود، ولشيخ المرسلين نوح، ولذي النون يونس، وللصديق يوسف، ولأبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل، ولأبي البشر آدم، وللملك سليمان، ولجميع الأنبياء والرسل عليهم أفضل التسليم، وما حبك إلا مسك الختام وجوهره. لا ينقص حبهم من حبك شيئاً، ولا يتعارض معه مهما طال العمر أو قصر، بل يكمله ليصبح الكنز الدفين والسر الكبير والراحة الدائمة الأبدية. هي وصيتك التي أنا لها متبع. يوم مولدك حلّ، ويوم مولد المسيح حلّ، وأنا أتقلب تيهاً بين المناسبتين، وأشدو سعادة في أيام هي الخير كله، والود كله، والحبور كله.

عربي بوست
تم النشر: 2015/12/24 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/12/24 الساعة 03:45 بتوقيت غرينتش

بعد السلام المبجل الموصول الكامل، اشتقت إليك. عندما هممت أن أكتب لك، احتار القلم وترددت اليد حال إدراكها مخاطبة سيد الأنام وخير من ولد ابن آدم. أأكتبك سيداً أم قائداً أم أباً أم حبيباً؟! أأكتبك قريباً فأناجيك أم أكتبك بعيداً فأحاكيك؟! أهو الخجل آيتي أم الاحترام علامتي؟ لا أتقن تنميق الكلام كما يليق بمقام الملوك، ولا أعلم علم اليقين أساليب خط الرسائل لصفوة البشر! حسب ما أحطت به من معارف وما اجتمع لدي من إيمان، أراك الرحمة التامة الغالبة لظلم المخلوقات، والشفيع عند العليّ العظيم، والحنون الذي يسبق حلمه غضبه.

سيدي أبا القاسم، جرأة مني هي أن أرسل لك مكتوباً، ولكن المحب كلما اشتاق إلى محبوبه يكتب ويتباهى بعشقه، ويصيح جهراً وفخراً بعظيم مكنوناته. لم تلمحك عيني، ولا سمعت أذني صوتك، ولا رافقتك في رحلة أو شاركتك في طعام، ولا قاسمتك تعباً، إلا أنه الحب الذي غمر الفؤاد كاسراً كل القواعد الدنيوية التي تغنوا بها حتى تورمت أحبالهم الصوتية. أنت الأعلم بالحب إن زاد، وبالتعلق إن كثر، وبالنفس إن ابتُعد عنها ما هي راغبة بأنسه، وبالقلب إن غلبه الشوق وطرحه صريعاً. ربما رجموني قومي إذا خاطبتك باسمك دون ألقاب عظمة تسبقه، فإنما أنت المتواضع الزاهد، وأنت من بكيت شوقاً تحرقاً للقاء أحباب لم يروك وآمنوا بك. أخبرها محبة متبادلة عبر العصور، ويحلو لي أن أطير فرحاً مع كل كلمة أفضيها إليك، وتروق لي ابتساماتي التي أخفيها وأعلنها خوفاً من ظنون وحرصاً من شر أجهله.

سيدي أبا القاسم، غدونا طوائف متناحرة، وكل طائفة تدعي أنها الأجدر بحبك، وأنا أتحرى الطريق الأسلم الأقرب إليك. اختلفت وسائلهم، فألصقوا بك تهماً زائفة، وادعوا عليك ما ليس فيك، وقالوا ملء أفواههم كذباً. اتهموك قديماً أنك ساحر، وهذه التهم ما كانت إلا البداية. رسموك سخرية، وكل اعتقادهم حينها أنهم أفلحوا صنعاً. ظني بك أنك النجم الدري في السماء، وكل أفعالهم محاولة للاقتراب ولو وهماً من عظيم قدر ورفيع شأن. هم يظنون أنهم نالوا مجداً من مجدك، وزادوا عزاً من عزك، واكتسبوا جاهاً من جاهك، وما رفيقهم إلا الفشل مرة تلو مرة.

سيدي أبا القاسم، أود أن أعترف لك بحبي لكلمة الله وروحه عيسى بن مريم، ولكليم الله موسى، ولخليفة الله داوود، ولشيخ المرسلين نوح، ولذي النون يونس، وللصديق يوسف، ولأبي الأنبياء إبراهيم وابنه إسماعيل، ولأبي البشر آدم، وللملك سليمان، ولجميع الأنبياء والرسل عليهم أفضل التسليم، وما حبك إلا مسك الختام وجوهره. لا ينقص حبهم من حبك شيئاً، ولا يتعارض معه مهما طال العمر أو قصر، بل يكمله ليصبح الكنز الدفين والسر الكبير والراحة الدائمة الأبدية. هي وصيتك التي أنا لها متبع. يوم مولدك حلّ، ويوم مولد المسيح حلّ، وأنا أتقلب تيهاً بين المناسبتين، وأشدو سعادة في أيام هي الخير كله، والود كله، والحبور كله.

سيدي أبا القاسم، لعلّي ضللت الطريق مرات، وتهت عن الصواب مرات، وركضت خلف سراب طيشي ووهم أحلامي. عزائي الوحيد في حضرة مقامك هو تحسس الأطراف لمعالم الطريق الذي شققته، وجهد تتبع القدمين واقتفائها لأثرك. كنت أصيب وأخطئ، وأعيد الكرة بعدها تمنياً وعزماً أن تكون الناجية. لن أكذب بإدعاء الرشاد والصلاح المستمر من بعدك، ولكني أصدقك خجلاً أن النية ملامسة الحق مهما أخطأت، وإعمار العقل في كل خطوة أخطوها. هي ليست مجاهرة بالمعاصي، بقدر ما هي إقرار المذنب بذنبه، وأمل الضال في شفاعتك عندما تحين الحاقة عند رب عدل رحيم.

سيدي أبا القاسم، أنا موقن تماماً أني لست سوى واحد من مليارات البشر الذين أسروا لك بحبهم، وموقن أكثر أن هذه الرسالة ستصلك بطريقة لا أعلمها. لو استطعت تعطيرها بطيب الروائح وأنفسها، لما قصرت. ولو تمكنت من تسليمها باليد، لما تخاذلت. ولو كان الأمر بيدي، لدفنتها معي في قبري أملاً في يوم لقاك. هي حروف أرسمها وأزينها، لتصلك مباركة بأسمى المشاعر وأحلاها. أحبك في الله، وأطمع بمحبتك وأتطلع إليها وأريدها. نعبد رباً واحداً أحداً، ولا نشرك به شيئاً. فعليك صلوات الله وسلامه ما دامت الأرض تدور، والكون يتسع، والشمس تشرق وتغرب.

المحب/حسام

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد