في جنازة حاشدة، شيع "حزب الله" اللبناني سمير القنطار الذي كان أقدم سجين لبناني لدى إسرائيل، وقتلته تل أبيب أمس الأول في سوريا في مدينة جرمانا بريف دمشق بسوريا.
الجنازة التي شارك بها ممثلو قوى سياسية لبنانية وفصائل فلسطينية والقائم بالأعمال الإيراني محمد صادق فضلي، أمّها الشيخ هاشم صفي الدين رئيس المجلس التنفيذي لـ"حزب الله" في إشارة حسمت الجدل أن القنطار مات على المذهب الشيعي الاثني عشري بعد أن ولد على المذهب الدرزي.
بدأ القنطار حياته درزياً علمانياً مؤمناً بالقومية العربية ومتأثراً بالماركسية ومنتمياً لجبهة التحرير الفلسطينية القريبة من ياسر عرفات، وتم اعتقاله وهو في السادسة عشرة من عمره إثر فشل عملية اختطاف قُتل فيها عالم ذرة إسرائيلي وابنته البالغة من العمر ٤ سنوات عام 1978.
وظل القنطار على علاقة رسمية بالجبهة إلى منتصف الثمانينيات ثم أصبح عضواً ناشطاً في ما سميت بـ"الحركة الأسيرة" في السجون الإسرائيلية، كما يقول حسان الزين صاحب أشهر كتاب عن القنطار "قصتي" عن دار الساقي.
علاقة القنطار بالمذهب الشيعي بدأت، وفقاً للزين، بعد عام 2000، فقد بدأت تنشأ لديه علاقة مع "حزب الله" عندما حاول الحزب مبادلته عام 1999 ضمن صفقة الأسرى. وكان الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عيّن ضابط ارتباط للتواصل مع القنطار عبر هاتف محمول تم تهريبه له من خلال ضابط إسرائيلي مرتش.
حسان الزين قال لـ"عربي بوست" إن القنطار اعتنق المذهب الشيعي عام 2005 على الأرجح في ليلة عصيبة تعرض فيها لتفتيش صارم كاد يكشف هاتفه السري المخبأ في زنزاته، وأخذ القنطار يدعو أدعية دينية بينها أدعية للحسين. وعندما لم تكشف السلطات الإسرائيلية الهاتف في السجن، عزا القنطار الأمر لأدعيته.
اعتناق القنطار للمذهب الشيعي لم يؤثر على علاقته بأسرته الدرزية التي اعتبرت الأمر حرية شخصية له، بحسب ما قاله الزين. وتزوج فيما بعد من الإعلامية اللبنانية الشيعية زينب البرجاوي التي كانت تعمل في قناة العالم الإيرانية وعاش في الضاحية الجنوبية لبيروت ذات الغالبية الشيعية معقل حزب الله الذي تم دكه خلال الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 2006.
وبحسب الزين الذي كان صديقاً للقنطار، فإن "حزب الله" لم يطلب منه الانضمام للحزب، فالقنطار كان "يعتبر نفسه جزءاً من الحزب حتى قبل إطلاق سراحه".
التحاق القنطار للقتال ضمن "حزب الله" ضد المعارضة السورية كان جزءاً -بحسب الزين- من تحالف يُعرّف نفسه باسم "محور الممانعة والمقاومة" يضم حزب الله وسوريا وإيران في وجه "مؤامرة" ضربه.
ويلفت الزين إلى أنه لم يتناقش مع القنطار في هذا الأمر رغم صداقتهما، لأنه على عكس القنطار يرفض أي تدخل في الشأن السوري، وللحفاظ على صداقتهما كان يتجنب النقاش في هذا الأمر.
التحولات الفكرية والسياسية للقنطار ارتبطت بالتغييرات التي مرت على الساحة اللبنانية التي كانت مرتبطة دوماً بالقضية الفلسطينية.
فـ"حزب الله" الشيعي الذي ورث "المقاومة الفلسطينية" واليسارية، ورث معها أيضاً أعداداً كبيرة من الشخصيات التي بدأت حياتها يسارية ونشأت في أحضان "المقاومة الفلسطينية"، وانتقلت من "مقاومة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين" والهيمنة السورية على لبنان، إلى تأييد الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي بات يوصف بـ"سيد المقاومة".
وهكذا بدأت ظاهرة سرت بين مثقفين لبنانيين جاء أغلبهم من الجنوب الشيعي الفقير في الستينيات والسبعينيات إلى الثورة الفلسطينية اليسارية الطابع عروبية الهوى، وانتهت بأن تحولت نسبة لا بأس بها من هؤلاء المثقفين إلى خطباء وإعلاميين يزينون المحور الشيعي الذي يقوده الولي الفقيه بوجه يساري أنيق، فيما يحاول بقاياهم الحفاظ على استقلاليتهم عبر "الحزب الشيوعي" اللبناني خاصة في ما يتعلق بالقضايا الداخلية.
ويعزو المحللون هذا التحول إلى أسباب كثيرة أبرزها الدور السوري في لبنان في وأد أي محاولة لإقامة مجتمع ديمقراطي غير طائفي ومستقل، وعدم النضج الفلسطيني الذي اكتسب عداء قطاع كبير من اللبنانيين.
ولكن هناك بعد فكري أيضاً يراه الكاتب حسان الزين الذي يقول إن المفكر اللبناني الشيوعي حسين مروّة -من أصول شيعية- كان يؤمن بأن المذهب الشيعي هو المذهب الذي يناضل ضد الاستبداد والظلم والأرستقراطية في التاريخ الإسلامي، مما يجعله الأقرب للماركسية، وهي رؤية أثرت على بعض الشيعة الشيوعيين، الأمر الذي جعل تعايشهم مع "حزب الله" ممكناً خاصة في ظل اتفاق الطرفين على فكرة "المقاومة" أولاً ثم الخوف المشترك ممّن يعتبرونهم "تكفيريين" في سوريا.