وكُنتَ مُعلمي منذ اللحظة الأولى!
(الرسالة رقم 2)
منذ أن علمت أن روحاً انبثقت في داخلي.. بدأتُ التعلم..
ففي تلك اللحظة حين فكرتُ "أتراه صبياً؟ أم تراها صبية؟" عاتبت نفسي وقلت.. أين أنتِ من الأم مريم حين رددت
"إني نذرتُ لكَ ما في بطني مُحرراً"
وعكفتُ كثيراً عند ذلك الوصف:
"مُحرراً"..
وقلت لا تستطيع الروح أن تمنح غيرها الحرية إذا لم تكن حُرة..
فعُدت من جديد لمجالسة نفسي مراراً وتكراراً.. وأُمعِن النظر في ملامحي وتصرفاتي.. هل تلفحت برداء الحرية؟
هل ما زالت مدركة أن الحرية هي المفردة الأولى؟
هل علمت أن الحُرية نهر يشرب منه الجميع.. وأن أطفالها أولى الناس بهذا الينبوع.
فهل سَتُبتَر الأجنحة باسم بر الأبناء لها؟
هل سَتُكَبَّل تلك الروح التي خَلَقَها الله وكرمها باسم دينه؟
أم ستكون هي التي تغزل لهم أثواب الحرية التي تليق بالروح التي خلقها الله؟
ثم إنك يا بني بدأتَ تَسأل قبل أن تُتقِن الكلام.. وبدأتُ أَرى أسئلتك في يومياتي حتى قبل أن أرى وجهك
فاليوم تسألني ماذا قرأتِ؟ وماذا قرأ والدي؟ فتطمئن على ما نغرِسه معاً في درب فهمنا وإدراكنا.
والبارحة كان سؤالك عن صوتي هل سَيُكمِل معك الغناء؟ وهل سنتشاطر البكاء معاً؟ هل سنتبادل أحاديث العيون؟
وجهك يا بني.. مدرستي…
رسالة الله لي.. إبحاري نحو عالم من الدهشة والبراءة والعفوية..
علمتني يا ولدي.. مع آلام الحمل..أن المرء سيُحارِب كل يوم.. مرة أفكاره.. مرة مخاوفه.. مرة جسمه.. مرة من حوله..
في كل يوم عليه أن يحارب!
وذكرتني بفكرة الكهف.. الذي يَعتَكِف فيه المرء ليتزود ويتطور وينمو.. وهذه المرة كنت أنا كهفك.. وكان كلانا يتزود من الآخر..
أريدك أن تعرف أني أتعلم منك كثيراً.. وأريد أن أُذَكِّرَك بهذا دائماً.. لِتَعلم أن صِفة الطالب صفة لا تنتهي عند عُمرٍ مُعين.. ولا مع صِفة معينة.
وحتى تَعلم أنَّ العلم لا يَعرف عُمراً.. يأتيك حين تَخفِض لهُ جناحك ولا تتكبر.
وحتى تعلم أننا بهذه الأسرة يَشُدُّ بعضنا بعضاً.. كلنا.. كلنا.
علمتني يا ولدي وأنا أنتظرك.. كيف أُعِد نفسي لأُحسِن استقبالك.. لا بشراء البلالين وكراتين الشوكولا فقط.. بل أن أُقَدِّر مكانتي عندك.. ومكانتك عندي..
فعند شراء الملابس لتكتسي بالجميل.. أفكر بالجميل الذي سيكتسيه قلبك..
قلبك الذي سَيَنظر الله لهُ أولاً..
فأعددتُ لك كسوة تليق بقلبك الأبيض
فأسمعك ما طاب من آيات باعثك.. فتتشرب من نوره..
وأغني لك.. لتتعود أذنك على الجميل.. فالله جميل يُحب الجمال..
سأستقبلك بالحُب بالامتنان بالاستغفار..
سأستقبلك بكل معلومة أُدخِلها لعقلي وأعلم أنها ستصلك ولو بعد حين..
استقبلك بِحُب والدك.. فيسري الحُب في روحك.. وتعي أنه روح هذا الكون.
أنا أتعلم منك.. حين أفكر فيك بكل التفاصيل القادمة..
وباكتساب عادات حسنة ستبصرها وتتعلمها..
وبترك كل موحشٍ فيي.. فأهجر ما أخاف أن يتسلل إليك.
أنا مرآتك..وسأحرصُ كثيراً على تلميع هذه المرآة.. لترى الحقيقة دوماً بوضوح.. وأتمنى أن تكون مرآتي.. تُريني خطأي وصوابي
كلما نظرتُ في عينيك..
بُني أختم حروف هذه الرسالة..
وأشعر بحركتك داخلي..
وركلاتك!
وأتعلم من جديد.. أنك موجود الآن داخلي حقيقة.. ومستقبلاً ستبقى داخلي مجازاً.. جار قلبي.. وخليل أفكاري..
وسأحملك دوماً.. فالحمل لن ينتهي بولادتك..
سأحملك.. حتى ولو كان حملك ثقيلاً.. حتى لو كان مؤلماً.
سأتَحمل الحِمل.. لأني منذ اللحظة..
أدرك أنك روح كرمها الله..
ووجب لهذه الروح أن تُصان.. وتُحفظ..
ومع حبي لك وحرصي.. لكن أرجوك.. لا تتعلم مني ومن والدك فقط.. دع قلبك ينمو خارجنا أيضاً.. وعُد لنا وأخبرنا بما تعلمت..
وعَلمِنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.