يقول تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أنه يشن حرباً مقدسة باسم الإسلام، لكن في واقع الأمر "دولة الخلافة" تعاني من نفس الفساد المالي والبيروقراطية المتجذرين في دول المنطقة العربية، وينخران في هياكل النظامين العراقي والسوري اللذين يحاول داعش إزاحتهما عن طريقه.
شهود وأدلة من مقاتلين ومسؤولين سابقين بالتنظيم، تشير إلى أن الدولة الإسلامية يتبنى سياسات فساد طبقتها أنظمة سابقة في العراق وسوريا، وذلك بحسب تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الاثنين 21 ديسمبر/كانون الأول 2015.
ففي العراق وقبل عام ندد العراقيون بالفساد الذي أكل نخاع الجيش النظامي ونشرت تقارير تتحدث عن صرف رواتب لـ50 ألف جندي وهمي، وهى الواقعة التي تكررت تقريباً في دولة داعش.
شهادة عنصر سابق بداعش
قائد سابق قاتل في صفوف داعش لأكثر من عام ثم انشق عنه تحدث للصحيفة باسم عمر وطلب عدم الكشف عن هويته، وأكد أن الفساد الذي تعاني منه الأنظمة الحاكمة يتكرر داخل التنظيم.
عمر يقول: "يكون لديك قائد جبهة بداعش يرفعُ طلباً برواتب 250 مقاتلاً في حين أن لواءه به 150 مقاتلاً فقط، وعندما اكتشف المسؤولون الأمر بادروا بإرسال إداريين ماليين لتوصيل الرواتب، لكن لم يلبث بعدها أن دخل هؤلاء الإداريون أنفسهم أيضاً في اتفاقات مع القادة على صفقات فساد".
البيروقراطية والرشوة
مقاتلون وموظفون سابقون عملوا تحت راية تنظيم داعش، قالوا إنه بالرغم من ادعاء التنظيم أنه يرفض أساليب النظامين العلمانيين العراقي والسوري، فإن مسؤولي التنظيم كثيراً ما يقلدون نهج هذين النظامين في حبهما المفرط للبيروقراطية والرشوة.
وذكروا نماذج لبيروقراطية التنظيم بداية من الإدارة الزراعية وانتهاء بالدعم الحكومي لأسعار السلع الغذائية، وأكدوا أن المسؤولين الذين تعينهم داعش ينتهجون نفس الأساليب والنظم المتبعة في الحزبين الحاكمين لسوريا والعراق، بما في ذلك الولع المفرط بكثرة الأوراق والتوقيعات وإلصاق الطوابع والأختام.
مسؤولون بالنظام يعملون مع داعش
سكان عراقيون بمناطق داعش، ذكروا أن التنظيم يتبنى الآن هياكل مؤسسات لطالما حظيت بولاء موظفيها بالمحاباة على مر السنين والعقود، وكلما توسعت رقعة داعش زاد اعتمادها على موظفين ومقاتلين يولون المادة والربح المالي أهمية فوق فكر التنظيم.
وفي سوريا نرى أن بعض المسؤولين الذين عينتهم داعش هم نفس المسؤولين الذين خدموا في الماضي نظام الرئيس بشار الأسد.
يقول أبو رشيد الذي طلب عدم ذكر اسمه الأصلي، والذي يعمل صيدلانياً في مستشفى بمدينة الميادين شرقي سوريا، إن دهشته كانت عارمة عندما عينت داعش مسؤولاً طبياً كان نظام الأسد قد طرده من الوظيفة لاتهامه بالاختلاس.
وظهر لاحقاً أن المسؤول ذاته عاود من جديد ممارسة عادته القديمة تحت راية داعش، حيث حرر العشرات من الطلبيات الدوائية الكاذبة، ثم بعدما تسلم الأموال أحرق مخزن الأدوية من أجل تغطية فعلته وطمس الأدلة.
مسؤول استخباراتي غربي ممن يتابعون شأن داعش قال: "لا شك أن من آثار قوة التنظيم أنه تحول إلى ما نسميه نظاماً فاسداً استبدادياً."
وذكر المسؤول أن استشعار المواطنين السوريين والعراقيين الذين يعيشون تحت حكم داعش بمواطن الضعف والخلل في هذا التنظيم يتزايد يوماً بعد يوم نظراً للفساد الذي بات يتغلغل داخل مكوناته.
"أبو فاطمة التونسي"
وبالفعل باتت قصص الفساد داخل داعش السمة المميزة والموضوع الموحد لكل أحاديث المقاتلين السابقين، ولعل أشهرها قصة المقاتل المعروف بلقب "أبي فاطمة التونسي" والذي كان أميراً في منطقة دير الزور شرق سوريا.
ووفقاً لعمر، فإن أبا فاطمة التونسي فر من التنظيم بعدما استولى على مبلغ 25 ألف دولار من أموال جباية الزكاة، وترك قبلها رسالة وجهها لزملائه السابقين من قياديي داعش على تويتر، يقول فيها: "أي دولة؟ وأي خلاقة؟ أيها الحمقى."