تعتمد المئات من العائلات بالجزائر على الحطب كمادة أولية للطاقة، تستعمل للتدفئة والطهي معاً، رغم أن الجزائر تعد من كبريات الدول المصدرة للغاز والمواد البترولية.
وتستخدم كميات كبيرة من الغاز الجزائري في تدفئة العديد من الدول الأوروبية، في الوقت الذي تفتقر فيه مجمعات سكنية كبيرة بالبلاد لهذه المادة الحيوية.
وتنتج الجزائر وفقاً للأرقام الرسمية، ما معدله 80 مليار متر مكعب من الغاز بشتى أنواعه، ما يجعلها في المرتبة 11 عالمياً، والأولى إفريقياً، والثالثة عربياً.
سبعينية لم تستمتع بالغاز
بمنطقة بوسلام الحدودية بين ولايتي سطيف وبجاية، وهي منطقة تابعة للقبائل الصغرى الجزائرية، قالت سعدية بوجادي، وهي عجوز في السبعينيات من عمرها، بعد أن أنهكها جمع الحطب.
"قضيت حياتي بالكامل في الاحتطاب لطهي الطعام لي ولحفيدي الوحيد، بعدما غادر أولادي بالكامل هذه البلدة هروباً من الفقر".
وتضيف سعدية أن قارورات غاز البوتان (أسطوانات البوتاجاز) باهظة الثمن، و"أنا لا أملك دخلاً يجعلني أستطيع توفير ذلك طوال السنة، قارورات الغاز التي أشتريها، أدخرها للضرورة القصوى".
وتساءلت سعدية عن سبب عدم إمدادهم بالغاز رغم أن الجزائر مليئة به، وتقول إنها لازالت تحلم بأن يصل الغاز إلى بيتها لينسيها معاناة السبعين عاماً، لكن ذلك لم يحدث بعد.
حياة كلها دخان ورماد
سليمان بن رمضان ربّ عائلة تتكون من 7 أفراد، قضى حياته مرتحلاً عبر عدد من ولايات الجزائر، يؤكد أنه لم يعش يوماً "نشوة الاستمتاع بالغاز الطبيعي"، فعمره بالكامل قضاه في الطهي والتدفئة باستعمال الحطب وفي بعض الأحيان قارورات الغاز.
وأبدت زوجته دليلة تذمرها من الوضع، إذ إن بيتها أصبح على مرّ الأيام مبعثاً للدخان والرماد الذي يجعلها تحسّ بأنها ليست كقريناتها وتعيش بعيداً عن القرن الحادي والعشرين.
السلطات – بحسب دليلة – وعدتهم بتوصيل قنوات الغاز إلى منطقة "عين مداح" التي يعيشون بها، لكن ذلك لم يتم رغم أن أقرب مدينة مستفيدة من الغاز لا تبعد إلا كيلومتر واحد فقط.
مهنة فرضتها الظروف
ساعد بن وادفل، سائق في الخمسينيات من عمره، يجوب يومياً غابات منطقة القبائل الصغرى الحدودية بين ولايات برج بوعريريج وسطيف وبجاية، في رحلة بحث عن الحطب لجمعه وبيعه للعائلات بالمناطق المنعزلة والتي تفتقد لمادة الغاز.
ويعتمد الحطابون مثل ساعد، على الطرق الحديثة والتقليدية في توفير مادة الحطب، وذلك بالاعتماد على مناشير ميكانيكية، وفؤوس تستعمل لهذا الغرض.
ويبلغ سعر شاحنة متوسطة الحجم حوالي 11 ألف دينار جزائري (100 دولار)، وهو سعر مناسب مقارنة بمواد الطاقة الأخرى التي يعتمد عليها السكان للتدفئة مثل غاز البوتان أو مادة المازوت.
ويؤكد ساعد أن "هناك عائلات تقوم بتحضير الأكل خاصة الكسرة (الخبز)، فوق النار، لكن الظاهرة تزداد شتاءً حين يتطلب توفير مواد الطاقة مصاريف إضافية".
وإن كان ساعد يعتمد في تجارته على صفقات مع إدارة الغابات الجزائرية، التي تمنح تراخيص استغلال الأشجار اليابسة والمساحات المحترقة، فإن جمال الذي رفض ذكر اسمه كاملاً، يعتمد على نفسه بمساعدة بعض الشباب لتوفير الحطب.
يقوم جمال باجتياح الغابات بعيداً عن أعين السلطات المعنية، حيث يقوم بقطع الأشجار ونقلها إلى أماكن سرية قبل تسويقها بطرق بعيداً عن الأعين.
ويعد الصيف بالنسبة لجمال التوقيت الأنسب لجمع كميات كبيرة من الحطب، لسهولة قطعه ونقله، قبل عرضه للبيع لبعض العائلات التي تعتمد عليه للتدفئة والطهي خلال فصل الشتاء.
غابات مهددة بالانقراض
يؤكد عز الدين حمزي، رئيس جميعة حماية البيئة المستدامة، لـ"عربي بوست"، أن ظاهرة اعتماد العائلات على الحطب في الطهي والتدفئة، جعلت الثروة الغابية (أشجار الغابات) مهددة بالانقراض.
وسجلت الجمعية تجاوزات عديدة مسّت القطع والحرق المتعمد للغابات قصد الاستفادة من الحطب، وهي جريمة ضد البيئة والإنسان، على حد وصف حمزي.
وقد رفع حمزي تقارير إلى السلطات المعنية يؤكد فيها أن افتقار المناطق الجبلية لغاز المدينة، جعل الثورة الغابية مستهدفه لتوفير مواد الطاقة، وبالتالي طالب الحكومة التعجيل في تزويد هؤلاء بمادة الغاز.
ويضيف حمزي: "هناك أنواع من الأشجار النادرة مثل الأرز الحلبي باتت ضحية القطع، وهناك أشجار تسهم في الاقتصاد الوطني مثل الفلين والبلوط الفليني باتت اليوم تحت رحمة النار في البيوت".
القطع جريمة
"الساسي هقة"، مسؤول في قطاع الغابات الجزائرية، يرى أن الاعتداء على الثروة الغابية والقطع العشوائي للأشجار جريمة يعاقب عليها القانون، مهما كانت الأسباب.
ظاهرة استعمال الحطب في الطهي والتدفئة موجودة في نظر الساسي، وطرق استغلال الحطب الموجود بالغابات كذلك متاحة، وبطرق قانونية، حيث تقوم إدارة الغابات بتقديم تراخيص لاستغلال الأشجار اليابسة والمعرضة للتلف.
إلا أن الساسي يرى أن هناك أشخاصاً يتعمدون قطع الأخضر واليابس من أجل المتاجرة بالحطب دون تراخيص.
وتسجل إدارة الغابات حسب أرقام رسمية ما يزيد على 3020 مخالفة في مجال الاعتداء على المجال الغابي والشجرة على وجه التحديد كل سنة.