بين من يبارك تحريرهم، ومن يعتبر ما تلا ذلك "فضيحة"، استقبل اللبنانيون الثلاثاء 1 ديسمبر/ كانون الأول 2015 جنودهم المحررين، على إثر تبادل أسرى بين الجيش اللبناني وجبهة النصرة، بعد أن اختطفتهم الأخيرة منذ أغسطس/ آب 2014.
اعتبر البعض أن صور الجنود وهم يعانقون عناصر "النصرة" قبل عملية التبادل، بالإضافة إلى تصريحاتهم الإعلامية التي تلت ذلك، والتي أكدوا فيها أن "معاملة التنظيم لهم كانت جيدة" وشكروا خلالها زعيمه في القلمون أبو مالك التلي، كلها "أدلة على أنهم أصبحوا متعاطفين مع هذا التنظيم".
البعض ذهب إلى القول أيضاً بأن "الجنود مصابون بمتلازمة استوكهولم"، والتي تطلق على حالة التعاطف التي قد تنشأ أحياناً بين الخاطفين والرهائن، فيما ذهب آخرون إلى أن تصريحات الجنود وصورهم مجرد تعبير عن سعادتهم بعد أكثر من سنة من الاختطاف.
ثقافة محدودة
مصدر عسكري لبناني رفيع المستوى قال لـ"عربي بوست" إن مشهد المودة بين العسكريين المحررين بين مسلحي التنظيم أمر غير مقبول، لكنه استدرك قائلاً "إنه يجب أن نلاحظ أن العسكري يكون محدود الثقافة، كما أن هؤلاء العسكريين ظلوا مقيمين مع هؤلاء الناس لمدة عام و4 أشهر وقد يتأثر بعضهم بهم"، لافتاً كذلك إلى أن العسكريين لديهم زملاء مازالوا أسرى ولا يريدون الإضرار بهم.
وكشف عن أن الجهات المسؤولة بالمؤسسة العسكرية اللبنانية قد عقدت جلسات مع العسكريين المحررين لتقصي هذا الأمر، ولتدريبهم على التعامل مع الإعلام وإنهاء فوضى التصريحات السابقة.
وأضاف "ليس هناك تغير في موقف الجيش اللبناني من جبهة النصرة بعد الصفقة، فهي مازالت تنظيماً إرهابياً يحتل أرضاً لبنانية، والدليل عمليات القصف التي استهدفت أمس الأربعاء جرود عرسال حيث ينتشر مسلحو النصرة".
موضحاً أن المنطقة والممرات الآمنة التي نصت عليها صفقة التبادل مخصصة للاجئين السوريين والمدنيين اللبنانيين، وأي دخول مسلح لها لن يقبل من قبل الجيش اللبناني.
متلازمة استوكهولم
حاول البعض تفسير "المودة" الحاصلة بين العسكريين المحررين وعناصر جبهة النصرة بأنها ما يعرف باسم "متلازمة استوكهولم"، وتطلق على حالة التعاطف التي قد تنشأ أحيانا بين الخاطفين والرهائن.
ولكن الدكتور محمد علوش، الباحث اللبناني في مجال الحركات الجهادية، يختلف مع هذا التفسير، إذ يقول لـ"عربي بوست" إن المشهد برمته جرى إخراجه بشكل مقصود من جبهة النصرة لأسباب عدة.
ويرى أن العسكريين المختطفين تلقوا معاملة جيدة من قبل النصرة لأنها تريد أن تقوم بتحييد المجتمع اللبناني وطوائف العسكريين عن الصراع القائم بينها وبين حزب الله، كما أن هناك جزءاً شرعياً فهو يرى النصرة رغم راديكاليتها، وعنفها "فإنها تلتزم الجانب الشرعي في معاملة الأسرى وعدم إهانتهم، عكس تنظيم "داعش" الذي لا يراعي للأسير أو غيره حرمة"، مؤكداً أن أسرى "داعش" يلقون معاملة مختلفة.
رسائل "النصرة"
ومن وجهة نظر علوش، فإن "النصرة" سعت إلى تقديم نفسها كفصيل ينتمي للثورة السورية، ويشكل جزءاً من الشعب السوري من خلال تركيزها على الضمانات والمساعدات للاجئين السوريين، وذلك في إطار محاولة أوسع يقوم بها عدد من الدول لإقناعها بالانفصال عن تنظيم القاعدة، وترويجها كفصيل ينتمي للمعارضة السورية يعمل في إطار وطني وليس في إطارأممي.
ورأى أن عملية الانتشار العسكري التي نفذتها النصرة في عرسال خلال عملية تبادل الرهائن بهدف توصيل رسالة للدولة والشعب اللبناني بأنها جزء من واقع المنطقة وليست فصيلاً طارئاً.
وحول موقف الدولة اللبنانية، قال علوش إن هناك اختلافاً داخل السلطة الحاكمة بشأن التعامل مع "النصرة"، فقوى 14 آذار تريد إبعادها عن لبنان، ولكن لا تريد الدخول في الوقت ذاته في مواجهة معها، أما قوى 8 آذار بقيادة حزب الله فإنها ترى أن النصرة تمثل خطراً على لبنان وتعتبر أنها في حالة حرب معها، لافتاً إلى أن صفقة تبادل الأسرى، ورغم دور حزب الله فيها، لن تؤثر على العلاقة بين الحزب والنصرة، فكلاهما يعتبر نفسه في حالة حرب.
الوقوع في الأسر مسؤولية من؟
وظهرت مطالبات من قبل شخصيات محسوبة على قوى 8 آذار بالتحقيق فيما حدث خلال سيطرة تنظيمي "النصرة" و"داعش" على عرسال في أغسطس/ آب 2014 ، وكيف استسلم هذا العدد من العسكريين دون إطلاق نار، خاصة بعد أن "استفزت" إشادة العسكريين لمعاملة النصرة لهم كثيراً من القوى الحليفة لسوريا في لبنان.
وحمل والد العسكري المحرر وائل حمص آمر كتيبة عرسال مسؤولية استسلام العسكريين "لأنهم لم يتلقوا أوامر منهم بالتصدي للمسلحين"، وذلك في حوار مع قناة الجديد المحسوبة على قوى 8 آذار.
وبدا أن هناك خلافاً داخل السلطة اللبنانية في التعامل مع الشيخ مصطفى الحجيري المعروف باسم أبو طاقية المقرب من النصرة، فوزير الصحة اللبناني وائل أبو فاعور، ممثل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني وليد جنبلاط في الحكومة اللبنانية دافع عنه وعن دوره في صفقة التبادل، مؤكداً أنه "أنقذ مراراً العسكريين من القتل".
مطالب بالقصاص
في المقابل فإن أهالي العسكريين الثلاثة الذين أعدموا يطالبون بالقصاص ويحذرون من أي محاولة لتبرئة ساحة الحجيري وإلا سيأخذون ثأرهم بأيديهم.
و من المؤكد أن العسكريين اختطفوا من منزل الحجيري في أغسطس/آب 2014 بعد أخذهم كأمانة لديه، ولكن هل خطفوا بالقوة رغماً عنه أم بناء على اتفاق بينه وبين النصرة؟، فهذا أمر اختلفت الروايات بشأنه، فوزير الصحة اللبناني يؤكد أنهم أخذوا من منزل الحجيري بالقوة، فيما سكت معظم العسكريين المحررين عن توضيح هذه النقطة، بينما يتهمه أهالي العسكريين الذين أعدموا وإعلام 8 آذار بتسليم العسكريين.
وكانت محاولة النصرة إنهاء الملف القضائي للحجيري هي أحد أسباب تأخر إطلاق صفقة العسكريين وفقاً للمدير العام للأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، والذي أكد في تصريح صحفي عقب إتمام التبادل أنه أبلغ الوسطاء خلال التفاوض أن الملف لدى القضاء، وهو "لا يستطيع أن يعد بشيء فيه".
وبعد يوم واحد من إطلاق العسكريين، قضت محكمة عسكرية لبنانية بالسجن عاماً ونصفه على الحجيري للاتجار بالأسلحة.