اللبنانيون ينتظرون هطول الأمطار هذا الشتاء برعب وخشية كبيرة من أن تتحوّل نعمة السماء هذه إلى نقمة، بسبب النفايات المتراكمة في شوارع المدن والبلدات اللبنانية. لكن مجموعة من الشباب أخذت زمام المبادرة لتفعل ما لم تقم به الحكومة حتى الآن.
أزمة النفايات دخلت شهرها الخامس، ولا حلول مطروحة، الحكومة لا زالت عاجزة عن إيجاد الحلول، الانقسامات تعصف بين القوى السياسية، وغضب المواطنين يتصاعد يوماً بعد يوم، الخوف من انتشار الأمراض وجرف الأمطار للنفايات والانعكاسات السلبية لهذا الموضوع يخيم بظلاله على اللبنانيين ويعتبر الهاجس الأكبر.
السلطة غابت!
في منطقة جبل لبنان، وتحديداً في قضائي الشوف وعالية (منطقتان يقصدهما السياح العرب والأجانب بكثرة)، استنفر عدد من الشبان والصبايا للقيام بخطوة تعوّض تلكؤ السلطات اللبنانية حيال تراكم النفايات على الطرقات، فعمدوا إلى توضيبها، وفرزها، مقدمين نموذجاً جيداً حول كيفية التعامل مع هذه الأزمة.
أدهم الحسنية، أحد الشبان الذين شاركوا في هذه الحملة، والذي يرأس نادي "عين وزين" البيئي الذي يضم مجموعة شبابية، النادي أبصر النور منذ حوالي سنتين، ويعمل بالدرجة الأولى على تنمية وبناء قدرات الأفراد ونشر الوعي البيئي من خلال نشاطات تفاعلية خارج الإطار التقليدي.
أهمية الفرز من المصدر
في حديثه لموقع "عربي بوست"، يقول الحسنية عن الأسباب التي دفعتهم للقيام بخطوة توضيب وفرز النفايات: "منذ تأسيس النادي عملنا على ملف معالجة النفايات وقدمنا مشاريعنا للبلدية دون أن تستجيب، وبعد تفاقم الأزمة في جميع المناطق قدمنا مشروعنا للبلدية ولحسن الحظ تجاوب معنا قائمقام المنطقة، وقد نصّ المشروع على أهمية المعالجة اللامركزية والفرز من المصدر وتخصيص اهتمام كبير لحملات التوعية".
البداية دراسة ديموغرافية لتحديد نقاط العمل
وأوضح الحسنية القاعدة التي تم فرز النفايات على أساسها قائلاً: "أجرينا دراسة ديموغرافية وسكانية للبلدة لتحديد نقاط الجمع، حيث اعتمدنا حوالي ٧٠ نقطة، وتم اعتماد قاعدة (single separation) أي أننا اعتمدنا ٣ حاويات للفرز، الحاوية الخضراء للنفايات العضوية، والحاوية الحمراء للنفايات الصلبة، والحاوية الزرقاء للورق والكرتون".
وتابع "خصصت قطعة أرض لجمع النفايات المفروزة غير العضوية، ومن ثم تصريفها مع شركات خاصة".
وأوضح أن المشكلة التي واجهتهم تمثلت في ما يخص النفايات العضوية؛ لأن المعمل المخصص لفرز وتسبيخ المواد العضوية لنفايات اتحاد البلديات الذي ننتمي إليه لم يكن يعمل وقتها، "أُرغمنا على تخزين النفايات العضوية في مكانها في أكياس عازلة"، وذكر أنه انخفض حجم النفايات إلى الثلث بعد اعتماد الفرز، "ومنذ حوالي الأسبوع بدأنا بترحيل النفايات العضوية إلى معمل الفرز والتسبيخ الذي بدأ يعمل مؤخراً".
حملات توعية للمواطنين
التجربة في "عين وزين" نجحت بشكل لافت بسبب تكافل المجتمع الأهلي والإدارة المحلية، وهذا النجاح دفع ببعض جمعيات المجتمع المدني للتواصل مع الشباب، وكشف الحسنية أنه وبهدف الوصول إلى الناس بالشكل الصحيح، "قمنا بزيارات منزلية وتوزيع كتيب سهل وواضح يشرح طريقة الفرز، وقمنا بتعبئة استمارات أظهرت تقبلاً كبيراً من قبل السكان وتشجيعاً على الخطوة".
وأشار إلى أن عدم جدية بعض البلديات في تنفيذ خطط المعالجة هو العائق أمام تعميم التجربة.
وكشف الحسنية أن 15 شاباً قاموا بهذا العمل التطوعي، ومن دون أي مقابل، مع استثناء تمويل البلدية لحملات التوعية والأمور اللوجيستية. وأشار إلى "مراعاة تنسيق جدول المواعيد مع التزامات الأفراد الذين قدموا المساعدة، فالجميع لديه ارتباطات جامعية، وارتباطات عمل"، متابعاً أنه في أغلب الأحيان، أجريت عمليات الفرز والتوضيب في أيام العطل الرسمية، وعطلة نهاية الأسبوع، وأيضاً في فترة ما بعد الظهر، وأضاف: "الأمر نسبي وتوزيع العمل يتم وفق أوقات المتطوعين بما يراعي التزاماتهم".
النفايات في المناطق السياحية
مع بدء التظاهرات الشعبية في بيروت احتجاجاً على تفاقم أزمة النفايات وعجز الحكومة عن إيجاد الحلول، وبعد تكدس النفايات في الشوارع، أطلقت مجموعة شبابية تدعى "حراك الجبل"، الذي لم يأخذ على عاتقه المشاركة في الاحتجاجات فقط، بل عمد إلى تقديم حلول للأزمة التي اجتاحت لبنان، خصوصاً في منطقة الجبل التي لطالما اشتهرت كوجهة سياحية تمتاز بطبيعتها الخلابة، والتي استفز أهلها من مشاهد النفايات في الطرق وعلى مجاري الأنهار.
رسالتان: واحدة إلى المواطنين وثانية للسلطات
منسق المجموعة علاء صايغ، قال لـ"عربي بوست": "أردنا التميز منذ انطلاقتنا عن باقي مكونات الحراك الشعبي بالإيجابية والإصرار على خلق وعي عام تراكمي عند الناس من خلال القيام بنشاطات مجتمعية إيجابية بالتوازي والتكامل مع التظاهرات والاعتصامات القائمة على مستوى المناطق اللبنانية وفي العاصمة بيروت، فكانت مبادرة (فرز وتوضيب النفايات) رسالة مزدوجة للمواطنين من جهة وللسلطة حكومةً وبلديات من جهة أخرى".
وأضاف أنهم عمدوا إلى إرسال رسالة للمواطنين تقول: "أخي المواطن، إشعال شمعة في الظلام خير من لعن الظلام، فإذا تقاعس المسؤول وغاب عامل النظافة عن منطقتك، فإن أضعف الإيمان أن تقوم أنت بتوضيب النفايات ووضعها في أكياس رفعاً للضرر الصحي المباشر على صحتك وصحة أبنائك".
وأوضح صايغ "قمنا بجولات على المنازل في بعض القرى لتوعية المواطنين بأهمية الفرز المنزلي للنفايات وشرح أسس الفرز البسيطة".
وأشار إلى أنه من خلال المبادرة "أردنا كشف دور السلطة في تضخيمها لأزمة النفايات"، وبالتالي تعطيلها الحلول المحلية خاصة في المناطق الجبلية، حيث حجم النفايات صغير مقارنةً بالمدن، فالمساحات غير المأهولة سكانياً وعمرانياً تسمح بإقامة معامل فرز حتى لو كانت بدائية كمرحلة أولى، مضيفاً أنهم أرادوا أن يقولوا لرجال الحكومة "نحن مواطنون نقوم بتوضيب النفايات على أبواب الشتاء، وأنتم تتركون الطرقات تغرق بالنفايات، ولا تلتفتون للمخاطر التي قد تؤدي إلى إصابة الناس بالأمراض كالكوليرا وغيرها".
المبادرة حطت رحالها في عدة بلدات جبلية
وقال صايغ: "في عين وزين تعاونا مع النادي البيئي في عمليات التوعية على الفرز وفي عمليات التوضيب، وتوالت خطواتنا، فانتقلنا إلى السمقانية ثم إلى بعلشميه – بحمدون، وتواصلنا مع جمعيات المجتمع المدني وبعض البلديات المتعاونة والساعية لإيجاد حلول بيئية في عدد من بلدات الجبل كـ(عبيه، قبيع)".
مصير النفايات المفروزة
وعن مصير النفايات المفروزة أشار إلى أن "بعض المؤسسات تعاونت معنا، وأخذت النفايات التي تحتوي على البلاستيك والزجاج والكرتون بغية إعادة تدويرها، أما المواد العضوية التي تعذرت معالجتها فقمنا بتوضيبها وتشبيكها بعواميد كي لا تجرفها مياه الأمطار ويزداد خطرها".
ردود فعل المواطنين
وعن كيفية تجاوب المواطنين مع الخطوة، قال: "تفاوتت ردود فعل الناس بين مؤيد للخطوة ومتحفظ عن التأييد، وعدد كبير من المواطنين قدموا لنا العصير والحلوى أثناء قيامنا بتوضيب النفايات تحت منازلهم، كما أحضر البعض منهم عدة العمل، وساعدونا على إنجاز مشروعنا".