"الأخ الذي لم تلده والدة" الرئيس بشار الأسد "مرشح لرئاسة لبنان"، هكذا لسان حال اللبنانيين اليوم جميعاً بعد أن قرر رئيس تيار المستقبل سعد الحريري، وفي خطوة أثارت تكهنات عديدة، ترشيح سليمان فرنجية رئيس "تيار المردة"، والصديق الشخصي لبشار الأسد، لمنصب رئيس البلاد.
كثيرون انتقدوا هذا الترشيح، خاصة أنه خرج من سعد الحريري، نجل رئيس وزراء لبنان المغتال رفيق الحريري الذي لم ينجُ من انتقادات فرنجية حتى بعد رحيله، وعلق مسؤول لبناني رفيع المستوى على الأمر لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، بالقول هذه: "آخر أعاجيب السياسة اللبنانية".
"الأخ غير الشقيق" لبشار الأسد
المصدر ذاته قال إن تيار ميشال عوني وحزب القوات اللبنانية، أكبر قوتين مسيحيتين في البلاد، لن يقبلا بهذا الخيار، فعون يعتبر أنه الأحق بالرئاسة كونه صاحب أكبر كتلة مسيحية في البلاد، بل يصف نفسه بزعيم مسيحيي الشرق، وهذه فرصته الأخيرة للوصول للرئاسة في لبنان بعد أن تخطى الـ80 من العمر.
أما رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع فلن يقبل بمقرب من الأسد رئيساً للبنان، لأنه يعتبر أن العلاقة بين الأسد وفرنجية "ليست تحالفاً، بل أخوة"؛ وكان فرنجية قال أكثر من مرة إن بشار الأسد هو "أخوه"، بل إنه سمى نجله "باسل" باسم الشقيق الأكبر للأسد.
علاقة الصداقة العائلية بين الطرفين عميقة وتعود إلى عهود قديمة، أبرز محطاتها سليمان الجد، الرئيس اللبناني الذي استدعى القوات السورية لبلاد الأرز.
قوة هذه الصداقة وصلت إلى حد أن آل فرنجية، وهي أسرة مارونية عريقة، فضّوا تحالفهم مع كل الأحزاب المسيحية في لبنان خلال الحرب الأهلية بعد اصطدامها بالقوات السورية إثر توغلها في المناطق المسيحية ومحاولة السيطرة عليها.
يُذكر أن فرنجية كان وزيراً للداخلية إبان عملية اغتيال رفيق الحريري في فبراير/شباط عام 2005، وكان ممن "ساهم في إخفاء معالم الجريمة"، حسب قول المصدر.
وكشف عن أن هناك استياءً كبيراً في "تيار المستقبل" وقاعدته الشعبية السنية، إذ إنهم لم ينسوا إهانة فرنجية لسعد الحريري ووالده، وهي إهانات منتشرة عبر تسجيلات وفيديوهات يتداولها الناس.
سمير جعجع الرافض الصامت
حزب القوات اللبنانية الذي يتزعمه سمير جعجع، أقرب الحلفاء المسيحيين لتيار المستقبل، هو من أبرز المناهضين لترشيح فرنجية.
العداء بين جعجع وفرنجية قديم ومركّب رغم أن الزعيمين ينتميان للشمال اللبناني، فهو عداء غريزي بين منطقة "بشري" حيث ولد جعجع، ومنطقة "زغرتا" حيث يتوج فرنجية زعيماً إقطاعياً بلا منازع.
ورغم أن المنطقتين يجمع بينهما وادي "قاديشا" موطن الموارنة الأول تاريخياً، فإن الخلافات العشائرية بين المنطقتين الجبليتين المتجاورتين فرقت بينهما قبل أن يولد جعجع وفرنجية بمئات السنين.
العداء وصل لذروته جراء ما يُعرف بمذبحة "إهدن" الشهيرة في يونيو/حزيران 1978؛ وأودت بحياة طوني فرنجية والد سليمان ومعظم أفراد أسرته، ويتهم آل فرنجية جعجع بالمسؤولية عنها، بينما يقول جعجع ومصادره إنها لم تكن مذبحة مدبرة بل تدهورت الأمور إلى إطلاق نار أفضى لهذه المذبحة التي مازالت تلطخ مشوار جعجع السياسي.
تغاضى الجانبان على مضض عن دماء الماضي، ولكن ظلت السياسة سبباً للخلاف، فجعجع هو أكثر السياسيين اللبنانيين إعلاناً لمعارضة الرئيس السوري بشار الأسد وتأييد "الثورة السورية".
رئيس حزب "القوات اللبنانية" فلجأ إلى الصمت حتى الآن بخصوص ترشيح سليمان فرنجية، إلا أن مصدراً مقرباً، رفض الكشف عن هويته لأسباب سياسية، قال إن "جعجع تعوّد أن يعمل في الأزمات بهدوء، وصمت القوات بدأ يأتي بنتيجة، ونحن متمسكون بالتحالف مع الحريري مهما كانت الخلافات، وكذلك متمسكون بمبادئ 14 آذار التي تجمع بين المستقبل والقوات، و14 آذار نشأت أصلاً في مواجهة الهيمنة السورية".
الزغرتاوي رئيساً توافقياً للبنان
على الجانب الآخر، يرى البعض في ترشيح زعيم "زغرتا" للرئاسة مخرجاً للجميع، إذ يقول مرسال الترس، الإعلامي اللبناني المنتمي لمنطقة زغرتا الشمالية، معقل آل فرنجية، لـ"عربي بوست"، إن تولي فرنجية الرئاسة "سيفتح باباً للخروج من شرنقة المواقف التصعيدية التي تحكمت بمسار الحياة السياسية في لبنان منذ استشهاد رفيق الحريري، وما تركه من شروخ في العلاقات السياسية بين قوى الـ8 والـ14 من آذار".
وصول فرنجية للرئاسة سيفتح نافذة تواصل لتيار المستقبل ولو بشكل غير مباشر باتجاه دمشق وطهران، اللتين وضعتا في السابق ما يشبه الفيتو على عودة الحريري إلى رئاسة الحكومة، وسيزيل عوائق بالغة الصعوبة مرتبطة بانخراط تياره في الحرب السورية الى جانب المعارضة المسلحة، نظراً للضمانة التي يمكن لفرنجية أن يعطيها للعاصمتين إزاء تلك العودة.
ورغم أنه يمكن تفهم رفض حزب "القوات اللبنانية" ورئيسه سمير جعجع، لفرنجية بسبب الماضي القديم بينهما، إلا أنه في جبل لبنان ليس ثمة أي مبرر للتيار "الوطني الحر"، وزعيمه عون، كي لا يتبنى ترشيح حليفه فرنجية الذي دعم ترشيح الجنرال للرئاسة على مدار السنتين السابقتين.
هل طرح الحريري جدّي؟
الباحث محمد شمس الدين يرى أن هذا طرح جدي من سعد الحريري، ولكنه يراهن أن من سيفسد الطرح هم حلفاء فرنجية نفسه، فقد ألقى الكرة في ملعب تحالف 8 آذار الذي يقوده حزب الله.
وفقاً لشمس الدين فإن أجواء من الحزن تسيطر على مقر عون، وهو العسكري والسياسي المخضرم الذي دخل مقر الرئاسة خلال الحرب الأهلية كقائد جيش ورئيس وزراء بالمخالفة للدستور اللبناني، وأخرجه السوريون من القصر بالقوة، وهو يرى أنه الأجدر بسكنى هذه الدار.
وعلى جهة "حزب الله"، فرغم أن فرنجية أقرب له من عون، إلا أن الحزب إذا خُيّر بين عون وفرنجية فسيختار الأول، بحكم وزنه السياسي المسيحي الكبير الذي وفر له غطاء سياسياً مسيحياً قوياً.
ويرى ذات الباحث أن المشكلة في لبنان لا تتعلق فقط بأزمة الرئاسة، "فالمعضلة هي قانون الانتخابات النيابية الذي يصعب الاتفاق عليه؛ لأنه سيحدد حصص القوى السياسية وكل قوة تريد قانوناً مفصلاً من أجل مصلحتها، وبالتالي حتى لو تم الاتفاق جدلاً على اسم الرئيس فلن ينتخب إلا بحل مثل هذه الأمور"، متوقعاً أنه لا انتخابات رئاسة قريبة في لبنان.