الحرب السورية والعلاقات التركية – الروسية

إسقاطُ الطائرة الروسية بسبب خرقها الأجواء التركية هو نتيجةٌ أخرى من نتائج الصراع السوري. لقد أدى الحادث إلى خلق توتر مؤقت في العلاقات التركية - الروسية لكنه لن يعرقلها، فحجم رأس المال الاقتصادي والسياسي المستثمر بين البلدين وعلاقاتهما العميقة كافية للتغلب على الحادث.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/28 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/28 الساعة 10:54 بتوقيت غرينتش

إسقاطُ الطائرة الروسية بسبب خرقها الأجواء التركية هو نتيجةٌ أخرى من نتائج الصراع السوري. لقد أدى الحادث إلى خلق توتر مؤقت في العلاقات التركية – الروسية لكنه لن يعرقلها، فحجم رأس المال الاقتصادي والسياسي المستثمر بين البلدين وعلاقاتهما العميقة كافية للتغلب على الحادث.

خرقت الطائرات الروسية المجالَ الجوي التركي عدة مرات من قبل، ويبدو أن الجيش الروسي تجاهل التحذيرات التركية المتكررة. في قمة العشرين الأخيرة في أنطاليا، ناقش الرئيسان رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين هذه المسألة مجدداً، واتفقا على تجنب أي حادث على الحدود التركية – السورية.

قواعد الاشتباك التركية واضحة، وأصبحت معروفة للجميع، وهذا لم يكن فعلاً عدوانياً تجاه روسيا، خاصة أن هوية الطائرة لم تُحدد إلا بعد إصابتها. رغم الخلافات الكبيرة بين البلدين حول الصراع السوري، إلا أن تركيا لم تستهدف أي مصالح روسية وليس لديها نيةٌ لفعل ذلك.

في الحقيقة، لم تنضم تركيا إلى الدول التي فرضت عقوبات على روسيا بسبب المشكلة الأوكرانية، وقد طور البلدان علاقات اقتصادية خلال العقد الأخير، وهو ما خلق فرصاً جديدة للمواطنين من كلا البلدين.

من الطبيعي أن تتأجج المشاعر بُعيد الحادث مباشرة، لكن العلاقات التركية – الروسية تتمتع بعمق كافٍ للتغلب على مثل هذه الكبوة. لقد عبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي أقام علاقة خاصة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رغم الانتقادات التي وجهها له الغرب بسبب ذلك، عبّر عن حزنه على الحادث، وقال متحدثاً إلى قناة "فرانس 24" إنه "لو كنا نعرف أنها طائرة روسية لربما تصرفنا بطريقة مختلفة".

لكن هذا لا يغير من حقيقة أن تركية، باعتبارها دولة عضواً في حلف الناتو، لها الحق في الدفاع عن أراضيها ومجالها الجوي ضد أي انتهاك، فالمجال الجوي التركي هو المجال الجوي للناتو أيضاً.

وكما قال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو: "إن إسقاط طائرة تنتهك المجال الجوي التركي لم يكن – ولن يكون – إجراءً ضد دولة معينة. لقد اتخذت تركيا هذا الإجراء وفق قواعد الاشتباك التركية لحماية سيادتها على كامل أرضها. وبينما ستستمر هذه الإجراءات الدفاعية على حالها، ستعمل تركيا مع روسيا وحلفائنا لتهدئة التوتر".

إن الادعاءات القائلة إن تركيا تدعم "داعش" وتشتري منه النفط هي أجزاءٌ من حملة مغرضة لا أساس لها من الصحة، وأولئك الذين يتبنون هذه الادعاءات عليهم أن يقدموا دليلاً ملموساً واحداً. بدلاً من ذلك، يقصُّون حكايات طريفة معتمدين فيها على أشخاصٍ بلا أسماء ومواقع غير محددة.

لكننا نعرف أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فرضا عقوبات على شخصياتٍ هامة بسبب شرائها للنفط من داعش بالنيابة عن نظام الأسد. تضمنت قائمة الأشخاص هذه رجل الأعمال السوري جورج حصواني، الصيرفي السوري مدلل خوري ورجل الأعمال الروسي كيرسان إيليومزينوف الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الاتحاد العالمي للشطرنج.

أما بالنسبة للمحاربين الأجانب الذين يذهبون إلى سوريا، فقد قامت تركيا باتخاذ إجراءات بهذا الشأن أكثر من أي دولة أخرى، فقد رحَّلت 2500 شخص وحظرت 25 ألفاً آخرين من دخول البلد بسبب الاشتباه في علاقتهم بالإرهاب، كما اعتقلت مئات الأشخاص للاشتباه بارتباطهم بداعش، بينما لم تبدأ الدول التي يأتي منها هؤلاء المقاتلون بتطبيق إجراءات أمنية صارمة إلا بعد هجمات باريس. مشاركة المعلومات والتنسيق بين الأجهزة الاستخباراتية هو مفتاح نجاح محاولات إيقاف تدفق المقاتلين الأجانب للانضمام إلى داعش، إذ لا تستطيع دولة واحدة أن تتعامل وحدها مع الإرهاب العابر للحدود.

يجب أن نضع لعبة اللوم جانباً، وعوضاً عن ذلك علينا التركيز على شن حرب فعالةٍ ضد داعش، وأن نتوصل إلى انتقال عادل ومنطقي للسلطة في سوريا.

الخطة الروسية – الإيرانية لإنقاذ نظام الأسد لن تقود سوى إلى تعزيز موقف داعش والمنظمات الإرهابية الأخرى. إن قصف المعارضة المعتدلة سيساعد الطرفين المجرمين الأساسيين في الحرب السورية: نظام الأسد وداعش، وعلى العالم أن يتخلص من هذين الشرَّين في الوقت نفسه.

وكما قال الرئيسان باراك أوباما وفرانسوا هولاند في المؤتمر الصحفي المشترك الذي أقيم مؤخراً في البيت الأبيض: لا مكانَ للأسد في مستقبل سوريا. كلما طال بقاؤه، طالت الحرب السورية، وهو ما سيمنح داعش السلاح والمجال اللازمين للقيام بتجنيد المزيد من الإرهابيين. بمساعدة نظام الأسد في حربه المجرمة، يقوم مساندوه بتعميق الأزمة السورية، وليس حلها.

ثمة أسئلة أخرى تتعلق بالممارسات العسكرية الروسية في منطقة جبل التركمان بالقرب من الحدود التركية. لا توجد داعش في منطقة جبل التركمان، لكن الطائرات الروسية تقصف جماعات المعارضة المعتدلة لمساعدة نظام الأسد في تقدمه باتجاه جسر الشغور بمحافظة إدلب، والتي تخضع الآن لسيطرة المعارضة.
هذه استراتيجية خاطئة لأنها لن تساعد في الحرب على داعش، وفي الواقع 90% من الهجمات الجوية الروسية تستهدف جماعات المعارضة السورية المعتدلة بدلاً من استهداف داعش.

إن كانت روسيا جادةً في القضاء على داعش عليها أن تكف عن قصف الجماعات السورية المعارضة لداعش، وأن تساعد في عملية سياسية انتقالية تنهي إرهاب نظام الأسد وداعش معاً.

لا أحد لديه مشكلة في أن تقوم روسيا، الولايات المتحدة أو فرنسا بضرب داعش، والانقسامات غير الضرورية في التحالف ضد التنظيم لن تؤدي إلى شيء عدا مساعدة الإرهابيين ونظام الأسد. بدلاً من صرف مبالغ طائلة على محاولات فرض هيمنة عالمية، على الدول العظمى أن تركز على الأسباب الرئيسية لإرهاب داعش: إرهاب الدولة الذي يمارسه نظام الأسد، وأزمة اللاجئين.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد