مع الصعوبة التي تواجهها المؤسسات الإسلامية بفرنسا في ترسيخ مواقعها في البلاد ومواقفها في ظل الظروف الحالية، تبرز وجوه جديدة تمثل المسلمين وتتجسد في شخصيات فاعلة على الأرض أو جهات ذات حضور إعلامي، من الليبراليين إلى السلفيين الجدد الناشطين على الإنترنت مروراً بشباب قريبين من حركة الإخوان المسلمين.
فالمجلس الفرنسي للديانة الإسلامية الذي أنشئ في 2003 بمبادرة من السلطات الفرنسية لم ينجح يوماً في تجسيد "إسلام خاص بفرنسا"، فيما يسعى كثيرون إلى بنائه اليوم بعد هجمات باريس التي أودت بحياة 130 شخصاً في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني.
وهذا المجلس الذي يديره مولودون في فرنسا، تقوضه خلافات بين دولهم الأصلية (الجزائر والمغرب وتركيا)، ويواجه صعوبة في مخاطبة 5 ملايين مسلم، حسب تقديرات الحكومة، خصوصاً الشبان المولودين في فرنسا.
لكن أصواتاً أخرى ظهرت في هذه البيئة السنية بمعظمها، وهي بيئة تفتقر إلى بنية هرمية لرجال دين أو إلى سلطة دينية واحدة، وتشجع تعدد الخطب.
الإخوان والسلفيون الجدد
هاويس سينيغر، الأستاذ المحاضر في معهد الدراسات السياسية في ليون، قال إن "المجال الإسلامي الوطني يهيمن عليه بشكل رئيسي نوعان من التيارات، هما السلفيون الجدد والإخوان المسلمون الجدد".
وأضاف أن هذين التيارين "أحدهما يبحث عن إسلام مرتبط بأسطورة الأصول، والثاني محافظ وقريب من الإخوان المسلمين"، مشيراً إلى أنهم "يغتنمون الفراغ" في المرجعية المؤسساتية.
ويقوم هؤلاء بالتعبئة من أجل نشر "الحلال"، أو ضد "التمييز" الذي يستهدف المسلمين، وينشطون بصورة خاصة على الإنترنت.
أبرز الشخصيات الإسلامية
ومن أبرز شخصيات هذه الكتلة العقائدية المدوّن "المتشدد" فاتح كيموش الذي سجل موقعه "الكنز" 14 مليون زيارة في 2014، أو الشبان الناشطين في إطار جمعية مكافحة الإسلاموفوبيا في فرنسا.
ويمكن لهؤلاء عند الحاجة دعم بعض "الدعاة عبر التلفزيون" الذين يتركز عملهم الأساسي على تقديم نصائح حياتية حول الحلال والحرام مثل إمام بريست (غرب) السلفي رشيد أبوحذيفة، أحد نجوم الإنترنت الذي يتابعه نحو 190 ألف شخص على الشبكات الاجتماعية.
ودان هذا الإمام الهجمات، لكنه يواجه مشاكل بسبب تسجيل فيديو يعود إلى 2014 ويظهر فيه وهو يشرح لأطفال أن الاستماع للموسيقى يمكن أن يدفع الله إلى تحويل المستمع "إما إلى خنزير أو إلى قرد".
ضيف الإذاعة والتلفزيون
وفي وسائل الإعلام العامة تهيمن شخصيات أقل تشدداً، مثل إمام بوردو طارق أوبرو المعروف بمواقفه المؤيدة لإسلام ليبرالي.
ويدعو عميد مسجد ليون عز الدين قاسي، الأقرب إلى تيار "الإخوان"، إلى تأهيل أئمة "معروفين ويتقنون اللغة الفرنسية وكذلك استخدام الشبكات الاجتماعية"، حتى لا يتركوا كل الساحة "لمفتي التلفزيون وفتاوى الإنترنت".
أما محمد باجرافيل، الإمام الشاب في ضاحية باريس إيفري سور سين، فهو أيضاً بين الذين تتم مشاورتهم سعياً لإعادة تأسيس الفكر الإسلامي، وهو مقتنع بأن "الوقت حان لدخول القرن الحادي والعشرين"، بحسب العنوان الفرعي لكتابه الصادر حديثاً "إسلام فرنسا العام الأول".
وتحول عبدالعلي مأمون إلى ضيف مفضل لمحطات الإذاعة والتلفزيون. وهو يدعو إلى انتخاب أعضاء المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بالاقتراع العام وليس من قبل ناخبين كبار.
وقال مأمون المعروف بصراحته: "يجب التخلص من الخطاب الراديكالي، وكذلك من الخطاب القنصلي، وهما في نظري مثل الطاعون والكوليرا".
ويشدد آخرون على النهج العملي في إدارة القضايا الثقافية أو قضايا المساجد أو حتى الذبح الحلال، ومن هؤلاء محمد حنيش، الأمين العام لاتحاد جمعيات المسلمين في سين-سان-دوني، الاتحاد المستقل الناشط على عدة جبهات.
هيئة للحوار مع الإسلام
ولأنها تعي ضعف المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، أنشأت الدولة الفرنسية في يونيو/حزيران الماضي "هيئة للحوار مع الإسلام" تجمع هذه الوجوه المستقلة الليبرالية وحتى المحافظة باستثناء السلفيين الجدد.
وبعد هجمات باريس التي تبناها تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" دعا رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس "الإسلام" إلى "النهوض" من أجل "قطع الطريق على أي تساهل" حيال التيار الجهادي والإرهاب.