ظهرت خلال الأيام الأخيرة بوادر توتر في العلاقات المصرية السودانية، بدت ملموسة في 3 ملفات، أحدها يتعلق بأوضاع الجالية السودانية بالقاهرة، إضافةً إلى ملفين آخرين يمثلان أرقاً للحكومة المصرية، وهما ملفّا سد النهضة الإثيوبي، والأراضي المتنازع عليها بمنطقة حلايب الواقعة على الطرف الإفريقي للبحر الأحمر جنوب مصر.
العلاقات بين البلدين، والتي تمتد لأكثر من 5000 وبالتحديد مع قيام الملك مينا بتوحيد القطرين عام 3200 ق. م (الأسرة المصرية الأولى)، دخلت في إطار جديد، أبدى تجاهه خبراء مصريون في الشأن الإفريقي تخوفهم، مؤكدين أن القاهرة ليس أمامها بديل سوى التهدئة للحفاظ على علاقاتها مع الخرطوم.
وتعرض 39 مواطناً سودانياً في مناطق مختلفة بمصر إلى التوقيف والقتل مؤخراً، بداية من توقيف مواطن سوداني يُدعى يحيى زكريا يوم 18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري في أحد أقسام الشرطة المصرية، تبعها القبض على عدد آخر بمنطقة وسط القاهرة لاتهامهم بالمتاجرة بالدولار، لكن الأسوأ هو مقتل 6 سودانيين وإصابة 11 آخرين في سيناء على الحدود مع إسرائيل، بعد أيام على حادثة مقتل 16 سودانياً بالرصاص في المنطقة نفسها، حسب ما ذكرته صحف مصرية وسودانية.
يأتي هذا فيما كشف وزير الخارجية السوداني، إبراهيم غندور، الاثنين الماضي، في تصريحات لوكالة الأنباء السودانية، عن شكوى أودعها السودان أخيراً لدى مجلس الأمن الدولي تتصل بإجراء مصر انتخابات بمثلث حلايب وشلاتين المتنازع عليه بين الدولتين.
المستشار الإعلامي للسفارة السودانية بالقاهرة، محمد عبدالله جبارة، يؤكد أن السفارة والحكومة السودانية تفاجأت بما جرى لعدد من السوادنيين المقيمين بالقاهرة مؤخراً من حالات توقيف وقتل غير مبرر، مؤكداً أن السفارة تتواصل عن كثب في هذا الملف مع وزارتي الخارجية المصرية والسودانية.
وقال جبارة، في تصريحات هاتفية لـ"الأناضول"، إن السفارة تلقت شكاوى بشأن عمليات توقيف لسودانيين في وسط القاهرة، واتهامهم من قبل السلطات المصرية بالمتاجرة في الدولار، وهو أمر ثبت عدم صحته بحسب تحقيقات أجرتها النيابة المصرية، مؤكداً أن النيابة أفرجت عن كافة السودانيين باستثناء عدد آخر لا زالوا في السجون المصرية.
وأكد المستشار الإعلامي لسفارة السودان أن الأمور بدأت تتحسن تدريجيّاً عقب ثبوت براءة السودانيين من التهم التي وُجّهت لهم، خاصة أنهم جاؤوا للقاهرة للعمل بالتجارة المشروعة أو العلاج، مشيراً إلى قيام وفد سوداني بالتوجه إلى العريش لمتابعة التحقيقات الجارية بشأن مقتل عدد من السودانيين خلال تسللهم إلى الأراضي الإسرائيلية، موضحاً أن السفارة ستقوم بترحيل المصابين في هذا الحادث إلى السودان.
طارق فهمي، أستاذ السياسة العامة والخبير في الشؤون السياسية بالمركز القومي لدراسات الشرق الأوسط، قال إن ترمومتر العلاقة الحقيقية بين مصر والسودان يتمثل في قضية حلايب، التي تتجدد مع كل أزمة بين البلدين.
وأوضح فهمي، في تصريحاته لـ"الأناضول"، أن التجاوزات الأمنية المصرية بشأن بعض السودانيين المقيمين بالقاهرة هي ما دفع السودان إلى التلويح بملف حلايب والتحرك على الصعيد الدولي، فسارع إلى تقديم مذكرة عن مشاركة المدينة المتنازع عليها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالقاهرة، مشيراً إلى أن الحكومة المصرية ستعمد إلى تهدئة الأوضاع للخروج من تلك الأزمة.
من جانبه، أشار هاني رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية، إلى أن السودان يضغط بقوة على مصر في ملف سد النهضة الإثيوبي، خاصةً أنه تسبب مؤخراً في تأجيل اجتماعات الأطراف الثلاثة حول السد أكثر من مرة.
وحمّل رسلان، في حديثه لـ"الأناضول"، الحكومة السودانية المسؤولية في توتر العلاقات مع مصر، مؤكداً أنها سارعت إلى استغلال قضية حلايب وسد النهضة لأغراض سياسية، وتضخيمها لأحداث الاعتداء على السودانيين بالقاهرة، حسب قوله.
وكان وزير الخارجية المصري سامح شكري أجرى، أول أمس الثلاثاء، اتصالاً بنظيره السوداني إبراهيم الغندور، لبحث ما قال عنه إنه "محاولات تستهدف تعكير صفو العلاقات المصرية السودانية"، وفق بيان.
شكري والغندور أكدا، بحسب البيان الذي اطلعت عليه الأناضول، "أهمية التحسب واليقظة أمام أية محاولات تستهدف تعكير صفو العلاقات المصرية السودانية، مع ضرورة الاستمرار في توفير أكبر قدر من الرعاية لمواطني كل من الدولتين لدى الطرف الآخر"، فضلاً عن "اهتمامهما بالعمل المشترك والتعاون الوثيق لتجاوز المبالغات الإعلامية التي شهدتها الأيام الماضية بما لا يتسق وعمق ومتانة العلاقات بين البلدين".
وأعلنت السفارة السودانية في القاهرة مؤخراً عن إرسالها "بعثة قنصلية" إلى مدينة العريش المصرية (شمال شرق)، لتقصي الحقائق حول مقتل 16 سودانياً، أثناء محاولتهم التسلل إلى إسرائيل، قبل أن يعلن الجيش المصري مؤخراً مقتل 5 سودانيين آخرين قبل محاولة تسلل إلى إسرائيل، وهو القتل الذي رفضته الأمم المتحدة مطالبة بالتحقيق، وعلقت مصر عليها بالرفض.