إعلام المقدمات النارية

بدأت حالة الاستقطاب والانقسام بين القوى السياسية المشاركة في ثورة الخامس والعشرين من يناير مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 بين الإسلاميين من جهة والليبراليين والعلمانيين من جهة أخرى.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/26 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/26 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش

قبل أن أتحدث عن الظواهر السلبية التي واكبت إعلام ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير وتصاعدت حدتها بشكل كبير ما قبل الثورة المضادة في الثلاثين من يونيو 2013 وما بعدها إلى الآن مثل ظاهرة المذيع الخطيب والمقدمات النارية وطغيان الدعاية والرأي على الخبر والمعلومة وغيرها، أود الحديث أولاً عن بعض الوقائع التي أدت إلى هذا المشهد الإعلامي المرتبك الذي نحن بصدده الآن ومنذ فترة طويلة.

شكلت لحظة رحيل مبارك في 11 فبراير 2011 نقطة فارقة في مسار الإعلام المصري بشقيه الحكومي والخاص (المسموع-المقروء-المرئي) والذي تحرر من كل القيود الأمنية والإدارية والقانونية التي حكمته لفترة طويلة وتحولت الأمور لفوضى إعلامية لا تحكمها أي ضوابط أو قواعد للأداء الإعلامي مع ظهور العشرات من القنوات الفضائية والصحف الخاصة والمواقع الإلكترونية وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي بشكل غير مسبوق سواء التابعة للنظام القديم وتتماهى ظاهرياً بأنها مع الثورة أو المحسوبة على الثورة، وكان نصيب الأسد بالطبع من هذه الوسائل الإعلامية للمحسوبين على النظام القديم.

بدأت حالة الاستقطاب والانقسام بين القوى السياسية المشاركة في ثورة الخامس والعشرين من يناير مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية في 19 مارس 2011 بين الإسلاميين من جهة والليبراليين والعلمانيين من جهة أخرى.

وانخرط الإعلام في هذا الاستقطاب والسجال بتوجيه أو بغير توجيه وأصبح منذ ذلك التاريخ أداة رئيسية من أدوات الاستقطاب والصراع واستطاع المجلس العسكري الذي تولى زمام الأمور بعد خلع مبارك أن يسيطر على الإعلام الحكومي من جهة والخاص التابع لرجال أعمال مبارك من جهة أخرى، وأن يوجهه لتعميق حالة الانقسام بين قوى الثورة فأثرت هذه الحالة على القواعد المهنية للأداء الإعلامي بشكل عام والذي تجلى في أسوأ صوره قبل الثلاثين من يونيو2013، وما بعده إلى الآن، حيث تحول الإعلام المساند للانقلاب العسكري إلى منصة للتحريض على القتل وسفك الدماء واغتيال الحريات العامة والخاصة وأصبح آلة جبارة للدعاية السوداء مدعومة بتمويل هائل من القوى الإقليمية المساندة للانقلاب العسكري موجهة بالأساس لاستئصال الإخوان المسلمين وكل من عارض الانقلاب في مواجهة إعلام ضعيف مساند للشرعية لا يمتلك من التمويل والإمكانات أو الحرية إلا الشيء القليل وغابت عنه أيضاً القواعد المهنية للأداء الإعلامي.

في دراسة بعنوان (الإعلام المصري بعد الثلاثين من يونيو.. هل هو أزمة بنيوية أم مرحلة عابرة؟) قام بها مركز الجزيرة للدراسات رصد فيها أبرز سمات الخطاب الإعلامي بعد الثلاثين من يونيو وأبرزها:
إعلام الصوت الواحد (المؤيد للانقلاب وعزل الرئيس المنتخب)
تصاعد خطاب الكراهية ضد الإخوان المسلمين والجماعات الإسلامية
تراجع وغياب القواعد المهنية عن التغطيات الإعلامية
اتساع دائرة استهداف رموز ثورة 25 يناير
طغيان الدعاية والرأي على حساب الخبر والمعلومة
استخدام سلاح الخوف وتضخيم الخطر
النزعة الانتقامية من جماعة الإخوان المسلمين
ظاهرة المذيع الخطيب
كانت هذه أبرز سمات الإعلام الموالي للانقلاب العسكري كما رصدها مركز الجزيرة للدراسات، ومن وجهة نظري أن بعض هذه السمات يعاني منها الإعلام الموالي للشرعية وللثورة مع فارق الإمكانات كما ذكرت آنفاً.

فتراجع وغياب القواعد المهنية عن التغطيات الإعلامية وطغيان الدعاية والرأي على حساب الخبر والمعلومة، وكذلك ظاهرة المذيع الخطيب، كلها تقريباً يعاني منها إعلام الشرعية.. فمثلاً ما يطلق عليه المقدمات النارية التي تملأ صفحات التواصل الاجتماعي ترتبط ارتباطاً مباشراً بظاهرة المذيع الخطيب فأصبحت المقدمات النارية التي غالباً لا يكون لها علاقة بموضوع الحوار هي الأساس الذي ينبني عليه الإعلام حتى صرنا نتحدث عن المقدمات النارية.

أما ما يلي المقدمة النارية فلا يهم، فالأهم هو تلك المقدمة النارية التي تنتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فتحقق الشهرة للمذيع دون النظر لأهمية المقدمة وما تحتويه وكذلك تصيد السقطات للضيوف..

وأصبح المذيع يطل على المشاهدين خطيباً وناصحاً ومرشداً لهم فيما يجب أن يفعلوه أو يتجنبوه، بل ويتحدث أكثر من ضيوفه وكأنه العارف بكل شيء والمحيط بكل صغيرة وكبيرة، ويظهر ذلك في كلا الإعلامين وبصورة أكبر في الإعلام الموالي للانقلاب.

هذه الحالة من السيولة واللامعقولية هي سمة ملازمة من وجهة نظري لفترات التحولات السياسية والاجتماعية في أي مجتمع يعيش حالة ثورة ستنتهي هذه الحالة بانتهاء الصراع بين الثورة الحقيقية والثورة المضادة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد