عن التضامن الانتقائي

والسبب وراء ذلك بسيطٌ جداً، وهو أنَّ فرنسا دولة أوروبية غربية متقدمة، بينما دول العالم الآخر ليست غربيةً ولا متقدمةً كما ينبغي، وشعوبها ليسوا من أصحاب البشرة البيضاء لكي يتضامن الجميع معهم. وعلينا أن نعلي الضحايا البيض على غيرهم ونسيان أننا نعيش في عالم غير مستقر وعادل، والعراق وباكستان وغيرها من الدول لا تستحق التضامن، عند حدوث أي تفجير انتحاري أو سيارة مفخخة قرب سوق أو مسجد، المئات يذهبون ضحايا ولا نجد تضامناً معهم.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/24 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/24 الساعة 05:07 بتوقيت غرينتش

بعد الجريمة الكبرى التي حصلت في باريس بدأ الإعلام الغربي والعربي بتغطية هذه الجريمة، التي تعد الأولى من نوعها بعد مجزرة الشرطة الفرنسية للجزائريين في باريس عام 1961. لم يتبنَّ التنظيم التكفيري "داعش" العملية بعد ساعات من القيام بها كما يحصل في دولنا الإسلامية والعربية، بل كانت التكهنات تحوم حول مَن هو الفاعل وكانت الترجيحات تشير إلى وجود مؤشرات توحي بأن "داعش" أو أعضاء منتمين له هم من قام بالجريمة.

قلقت باريس بسبب عودة أعضاء منتمين للتنظيم لفرنسا، وأن لديهم خطة للهجوم وها هي تحدث.

وخصص الإعلام الغربي غالبية تغطيته للتعاطي في هذا الشأن تناول فيها الأمن الأوروبي والضحايا والتحليلات حول من هو الفاعل ولماذا فعل.. إلخ. وتساءل كثيرون عن ماذا سيحدث في العالم بعد الهجوم في باريس؟ والذي يبدو أن البعض لا يهتم للدماء التي تسيل في العالم العربي والإسلامي منذ سنوات، التي تتحمل الحكومات الغربية مسؤولية فيها، حيث تدعم وتؤجج هذا الصراع من دون سعي جاد للبحث عن حلول لإيقاف نزف الدماء، ولعودة الأمن إلى ربوعه كما هو الحال في أوروبا.

فهل أمن الدول الغربية أكثر أهمية من أمننا؟

إنَّ بعد كل حادث في أي دولة غربية تأتي حملات التضامن من شتى دول العالم والمواقع والإعلام، حتى أن فيسبوك بعد حادثة باريس فتح المجال لمن يريد التضامن مع الضحايا في باريس أن يضع العلم الفرنسي. لكن هل كانت هناك حملات تضامن مع ضحايا الطائرة الروسية التي سقطت في مصر، أو مع الجريمة الإرهابية التي قام بها انتحاريان في برج البراجنة في بيروت، أو الجرائم الإرهابية التي حدثت في دول الخليج، أو بقية الدول الإسلامية والعربية؟

بالطبع لا، لأنَّ قيمة الدم الغربي أغلى من الدم العربي والمسلم فيما يبدو!

فلا فيسبوك، ولا يوتيوب وضع علم لبنان، أو روسيا، أو السعودية، بعد الحوادث الإرهابية، ولم يخصص الإعلام الغربي تغطيات خاصة لجرائم داعش في المنطقة كما يفعل مع حادثة باريس.

والسبب وراء ذلك بسيطٌ جداً، وهو أنَّ فرنسا دولة أوروبية غربية متقدمة، بينما دول العالم الآخر ليست غربيةً ولا متقدمةً كما ينبغي، وشعوبها ليسوا من أصحاب البشرة البيضاء لكي يتضامن الجميع معهم. وعلينا أن نعلي الضحايا البيض على غيرهم ونسيان أننا نعيش في عالم غير مستقر وعادل، والعراق وباكستان وغيرها من الدول لا تستحق التضامن، عند حدوث أي تفجير انتحاري أو سيارة مفخخة قرب سوق أو مسجد، المئات يذهبون ضحايا ولا نجد تضامناً معهم.

هناك عوامل أخرى وراء ذلك، والدور الذي يلعبه الإعلام الغربي في تغطية الحدث ومناقشته سيجعل الجميع يفهم أن هناك جانباً آخر من الكرة الأرضية يموتون لديهم ضحايا يومياً ولا نجد تضامناً معهم ولا مطالبات بوقف الحروب ضدهم، والأمرُّ من ذلك أن هذا التمييز في التضامن لا يقف في حدود فيسبوك والغرب، بل بعد الجريمة الانتحارية في الضاحية الجنوبية في برج البراجنة كان يفكر إن كان عليه التضامن أم لا. وجاء البعض متسائلاً هل إن تفجير الضاحية عمل "مشروع"!؟

ولم يقتصر ذلك على أفراد، "نيويورك تايمز" عنونت خبرها، يبدو أن العنوان تم تغييره على موقعهم، حول التفجير في بيروت أنه استهدف "معقل لحزب الله"! متناسين أن الضحايا مدنيون وليست لهم علاقة بدور الحزب في سوريا.

يرى بعض المحللين أنَّ الحديث عن الإرهاب انتقائي؛ فإن مستوى التنديد يكون بحسب المكان الذي تُرتكب فيه الجريمة، بمعنى أن الإرهاب طبيعي متقبَّل عندما يكون في الجانب الآخر من العالم، لكنه هجين وغريب حين يقع على الغرب – النقي- ولذا يجب إدانته من منطلق نقاء وصفاء العالم المتقدم من هذه الأجسام الهجينة، ومن ثم تكون النتيجة أنه من الطبيعي وقوعه هناك في العالم المتخلف وغرابة وقوعه في العالم المتقدم، في أبرز شكلٍ من أشكال الإيمان المتخفي بخرافة الفوقية النوعية التي يمارسها الخطاب العالمي ضد الآخرين البرابرة.

في ليلة حدوث الحادث كنت أستمع للمذياع. كان الحديث حول فرنسا، وأحد المحللين كان يتحدث كيف أن الشرق الأوسط يعيش في حالة غير مستقرة وهو في حالة حرب، لكن ما حدث هناك [فرنسا] كان مفاجئاً وغير متوقع!

هذا تسطيح للموضوع، فرنسا أحد أعضاء التحالف التي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ضد داعش، وطائراتها تقصف في سوريا والعراق، ومن المتوقع أن يحدث هجوم على فرنسا، خصوصاً أن هناك قلقاً من عودة بعض "الجهاديين" إلى فرنسا وتصاعد هذا القلق بعد الهجوم على مجلة "شارلي إيبدو" في مطلع هذه السنة.

مدير صحيفة "ليبيراسيون" اليسارية لوران جوفران يقول "من المستحيل عدم ربط هذه الأحداث الدامية بالمعارك الجارية في الشرق الأوسط. فرنسا تلعب دورها هناك. ويجب أن تُواصل عملها من دون أن تتأثّر".

بالتالي علينا التذكير أنه متوقع أن يحدث أي شيء في الدول الغربية فالخسائر التي يتكبدها التنظيم بالخصوص هذه الفترة يجعله أن يصعد من عمليَّاتهِ خارج سوريا والعراق.

الإرهاب التكفيري يهدد أمن المواطنين في كل مكان بشكل جدي، ويجب محاربته; الأمن هو ما يريده المدنيون. الضحايا في باريس أبرياء، ولا يجوز تبرير قتلهم بأي وجه، لكن نرفض أن يكون التضامن مزدوجاً، يحظى الغربي منه بما يحرم منه الشرقي.

كل التضامن مع الضحايا في كل من باريس وبيروت في الشرق البائس الذي يسير نحو مستنقع الظلام بسبب السياسات التكفيرية التي تهوى القتل.

اجتثاث هذه الظاهرة ومحاربتها واجبان، فالأمة في معرض الهلاك بسبب عدم وجود أصوات العقل.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد