“لن نجعلهم يفوزون”!

لم يجلب قراري هذا السعادة للجميع، فعلى قدر ما كنت متحمسة لدخول هذا العالم كان والدي حفظه الله متخوفاً جداً منه خصوصاً بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر، حيث أصبح الكل يرتاب من المسلمين وانتشرت الإسلاموفوبيا أكثر وأكثر، وتعرض الكثير من المسلمين والمسلمات حولنا للاعتداءات.

عربي بوست
تم النشر: 2015/11/19 الساعة 06:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2015/11/19 الساعة 06:25 بتوقيت غرينتش

عندما كنت صغيرة ذهبت أنا وأخي عبد الله إلى السوبر ماركت القريب من بيتنا في شيكاغو، أذكر بوضوح ذلك الموقف عندما كنت أتحدث مع أخي بالعربية واتجهت لي امرأة مسنة بنظرات ريبة وكراهية ثم قالت لي "من الأفضل أن تتحدثي الإنجليزية بدلاً من العربية بما أنك تعيشين في بلدي"!
لم أفهم لماذا تعاملت معي بهذه الطريقة، فكطفلة لم تتجاوز حينها العشر سنوات كل ما كنت أخبر به أخي هو أن لا يفتح قطعة الشوكلاتة ويأكلها قبل أن يدفع ثمنها!

تكررت هذه المواقف معي أكثر عندما كنت أكون بصحية والدتي "المحجبة" ، فكنت أرى بوضوح نظرات الناس لها وكيف يعاملونها بطريقة مختلفة عمن حولها.
كلما كنت أكبر أكثر كنت أدرك تضارب العالمين اللذين كنت أعيش فيهما، عالمي العربي المسلم في داخل بيتنا وعالمي الأمريكي خارجه، فكطفلة صغيرة ولدت وعشت وارتدت المدرسة طيلة حياتي في شيكاغو كنت دائما أعاني من هذا التضارب بين الهويتين.
مرت السنوات وكبرت وأدركت بأن ما أعيشيه قد يكون تضارباَ إن أحببت أن أجعله كذلك فقط، لكن لم لا أحوله إلى نقطة قوة؟!

فأنا فتاة عربية ومسلمة أفهم اللغة العربية والثقافة الإسلامية وأتقن تماماً اللغة الإنجليزية وأفهم الثقافة الأمريكية، فقررت أن أجعلها نقاط قوة لدي وأن أحمل مسؤولية بناء جسر واقعي وحقيقي بين الثقافتين…
قررت أن أكون صحفية!

لم يجلب قراري هذا السعادة للجميع، فعلى قدر ما كنت متحمسة لدخول هذا العالم كان والدي حفظه الله متخوفاً جداً منه خصوصاً بعد حادثة الحادي عشر من سبتمبر، حيث أصبح الكل يرتاب من المسلمين وانتشرت الإسلاموفوبيا أكثر وأكثر، وتعرض الكثير من المسلمين والمسلمات حولنا للاعتداءات.
لكنني لم أستسلم وأقنعت والدي بأنني يجب أن أتحمل هذه المسؤولية، وبالعكس هذا هو الوقت الصحيح لأدخل عالم الصحافة وأعبر عنا كعرب ومسلمين بشكل حقيقي وأصحح كل الأفكار والمفاهيم الخاطئة عنا.

وبالفعل درست الصحافة وحصلت على درجة الماجستير من جامعة Medill School Of Journalism في شيكاغو.
خلال دراستي في الجامعة اختارتني البروفسورة شيريل جاكسون مع عدد قليل من زملائي لنقوم بتغطية إخبارية مباشرة لبرنامج تلفزيوني، فرحت كثيراً بهذا الاختيار لأنها لم تختر إلا أفضل من كانوا في صفي، ولكن فرحتي لم تكتمل عندما تم إعلامي بأن المنتج التلفزيوني في تلك لقناة رفضني وكان سببه ببساطة أن حجابي "مشتت للانتباه"!
حاولت التواصل أكثر معه لإقناعه بأن الحجاب مجرد قطعة من القماش فوق رأسي وليس رأس آخر، وأنني مؤهلة لأكون مع زملائي في تلك التغطية ولكن كل رسائلي لم تقابل رداً.

ولأكون عادلة لن أنسى هنا فضل البروفسورة وعميد الكلية اللذين وقفا إلى جانبي وهددا بقطع عقدهم مع تلك القناة في حال لم يتم قبولي بالتساوي مع كل زملائي، وبالفعل كنت بينهم وقمت بالتغطية الإخبارية "بحجابي" وأذكر جيداً ماقاله المنتج لي بعد أن انتهيت من التغطية مذهولاً بآدائي قائلاً "WOW"!
كان ذلك الموقف صعباً جداً في حياتي، في ذلك اليوم عدت للمنزل ووقفت أمام المرآة في غرفتي ونظرت إلى حجابي وفكرت لحظة ضعف وبكاء في خلعه إذا كان سيشكل حجابي "عائقاً" أمامي ويكون "مشتتاً للانتباه" في طريق حلمي، لكني تذكرت كلام أستاذتي شيريل التي قالت لي"لن نجعلهم يفوزون"!
وبالفعل، قررت يومها أنني لن أجعل بعض الأفراد المتعصبين يقفون أمامي، بل على العكس سأغير أنا نظرتهم وأصححها، وأنني محظوظة جداً لأن أكون أمريكية وأعيش في مجتمع أمريكي فيه من اختلاف الثقافات والديانات واللغات ما فيه، وبأنني محظوظة لأكون في مجتمع توجد فيه مثل أستاذتي التي وقفت إلى جانبي ومثل زملائي الذين رفضوا أن يقوموا بتغطية الحدث من دوني.

وبعدها اجتهدت أكثر وأكثر في دراستي وأصبحت فخورة أكثر وأكثر بحجابي ليتم بعدها اختياري من قبل جامعتي لمنحة دراسية صحفية من البيت الأبيض، وتمت دعوتي فيها لحضور عشاء مع أهم الصحفين في العاصمة واشنطن بحضور باراك وميشيل أوباما!

لاحقتني النظرات خلال ذلك العشاء، ولكنها كانت نظرات مختلفة عن نظرات تلك المراة في السوبر ماركت، كانت نظرات تقدير وإعجاب لي كصحفية أمريكية محجبة ومعتزة بحجابها وكان مرحباً بي من قبل الجميع بما فيهم باراك وميشيل أوباما اللذين حظيت
بحديث خاص قصير معهما.

A photo posted by Noor F. Wazwaz (@nfwazwaz) on

اليوم أقف أمام نفس المرآة التي بكيت أمامها يوماً ووضعت يدي في لحظة ضعف على حجابي مفكرةً بخلعه، ولكنني اليوم أضعهما عليه وأشده وأنظر بثقة والسعادة تغمرني ، ف"نور" التي كانت تبكي بالأمس هي "نور" التي تدخل اليوم مبنى الراديو الوطني NPR في العاصمة واشنطن بكل ثقة حاملةً على أكتافي مسؤولية نشر الحقيقة وبناء ذلك الجسر بين الثقافتين، آملةً بأن تكون قد مهدت خطواتي البسيطة لغيري الطريق، لتعبره الكثيرات من بعدي بدون خوف بدون دموع وبدون أن يكون حجابهن "مشتتاً للانتباه".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد